الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معالجات نبوية في المشاكل الزوجية 3-3

معالجات نبوية في المشاكل الزوجية 3-3

معالجات نبوية في المشاكل الزوجية 3-3

قد تتطور المشاكل الزوجية وتصل إلى مستويات معقدة، فتحتاج إلى أساليب تتناسب مع حجمها ومستواها، وكل هذه الأساليب وافرة في المعالجات النبوية، وذلك من خلال التوجيهات الحكيمة التي كان يوجه بها في مثل هذه الحوادث، أو من خلال التصرفات النبوية في البيت النبوي الكريم.

من المعالجات: التحكيم:

فوجود محكَّم قريب من الأسرة يساعد على تقريب وجهات النظر بما له من خبرة وحنكة ودراية، يزيل التوتر القائم بين الزوجين، ويحرص على ذلك رغبة في التأليف بين الزوجين.
وهذا التحكيم بين الأزواج في حال عدم قدرة الزوجين على حل المشكلة منصوص عليه في القرآن الكريم، في قوله عز وجل: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [النساء: 35].
ويمكن أن يستفاد تدخل الحكماء من أقارب الزوجين للإصلاح بينهما من خلال ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام حين سأل فاطمة رضي الله عنها عن زوجها فعلم أنه حصلت مشادة بينهما، فغاضبها وخرج تاركا المنزل لها، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن أرسل من يبحث عنه حتى وجده في المسجد، فذهب إليه ووجده نائما، وقد أثر التراب في جنبه، فمازحه عليه الصلاة والسلام بقوله: "قم يا أبا تراب" رواه البخاري.
قال ابن حجر من فوائد الحديث: "وفيه: مداراة الصهر وتسكينه من غضبه.
فتدخل الحكماء في الأسرة يعد من الوسائل المهمة التي تساهم في تطويق الخلافات الزوجية.
وما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع ابنته حفصة رضي الله عنها حين دخل عليها معنفا يسألها عن سبب غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهن واعتزاله لهن، قال ابن حجر: "وفيه تأديب الرجل ابنته وقرابته بالقول لأجل إصلاحها لزوجهما.
ومن المعالجات النبوية: الهجر الجميل:
والمراد بالهجر الجميل أي: الهجر البعيد عن التشهير بأي من الزوجين أو الإساءة إلى احدهما، وإنما هو هجر يكون عادة بين الأزواج، لا ينبغي ان يظهر أو يعرف به أحد، أي يبقى في حدود البيت فقط، فالزوج له أن يهجر زوجته كوسيلة من وسائل تأديبها، وذلك في حالة نشوزها عليه، وعدم طاعتها له.
ودليل ذلك: ما رواه حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه، قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت".
وهذا لا يعارض ما أورده البخاري في الصحيح – في كتاب النكاح – باب هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن، حيث هجر الرسول عليه الصلاة والسلام زوجاته قرابة شهر في مشربة قريبة من دوره، حيث قال ابن حجر: في معرض توفيقه بين هذه الأحاديث: "والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال".
ولا شك أن هذا الهجر لا يستخدم بقصد الإضرار، أو لمجرد حصول الخلاف، بل هو من أواخر المحاولات التأديبية التي يستصلح بها حال الزوجة، فيستخدم في البيت فقط، وفي المضجع بالذات، ولا يعني الهجر تعطيل الحياة بين الزوجين، إنما هو وسيلة اعتراض على الزوجة، ورسالة عتب، وإشارة إلى تألمه من الحال، وعدم رضاه، بغية استصلاحها، وبهدف ثنيها عن بعض مخالفاتها، فإذا فهم الهجر بهذه الطريقة فإنه لن يمارس بطريقة تعسفية أنانية، بل هي معالجة عن طريق صناعة الشوق مرة أخرى بين الزوجين، وإعادة النشاط والتفاعل للعلاقة الزوجية بأسلوب أمثل.
المعالجة بالطلاق:
وهذا الأسلوب لا نجد له تطبيقا في البيت النبوي، فلم يرد أنه طلق أحد نسائه، إلا ما ورد من قصة طلاقه لحفصة ثم أمر الله له أن يراجعها فقال له جبريل "راجعها؛ فإنها صوامة قوامة" رواه أبو داود.

ولكن قد أرشدت السنة النبوية من خلال بعض الوقائع إلى أن الطلاق هو آخر الحلول التي يكون به الخلاص للزوجين أو لأحدهما، بل إن الله تعالى جعله مخرجا لرفع الضرر الذي لا يمكن احتماله، وإذا كان الطلاق بإحسان ومعروف فقد وعد الله الزوجين بالإغناء من فضله، وجبر الكسر، فقال جل وعلا {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما} [النساء: 130]، قال ابن جرير في تفسيره: " يغن الله الزوج والمرأة المطلقة من سعة فضله، أما هذه فبزوج هو أصلح لها من المطلق الأول، أو برزق واسع وعصمة؛ وأما هذا فبرزق واسع وزوجة هي أصلح له من المطلقة أو عفة".
ولا شك أن هذا الأسلوب يأتي بعد المحاولات المتنوعة لا ستصلاح الحال من الوقوف على أسباب المشكلة، واستخدام أساليب المحاورة، والملاطفة، والموعظة الحسنة، ومحاولة الإقناع، والتعامل مع بعض المشاكل بالتغافل، واحتمال الأعذار، ثم تأخذ المعالجة منحنى آخر من التصعيد، من خلال تدخل الأطراف بالتحكيم، ومحاولات الإصلاح، ومحاولة الضغط بالهجر في المضجع، وحين لا تحصل الاستجابة مع هذه القائمة من المحاولات، واستنفاذ الأساليب والمعالجات، واستحالة الحياة الزوجية إلى خصومات دائمة، فلا يبقى إلا خيار الفرقة الهادئة التي تُضمن معها الحقوق، ويُحفظ بها المعروف بين الناس.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة