الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجَنَّة وخَزَنَتُها، والنار وخزَنَتُها

الجَنَّة وخَزَنَتُها، والنار وخزَنَتُها

الجَنَّة وخَزَنَتُها، والنار وخزَنَتُها

الإيمان بالجنة والنار، وما أعَدَّه الله عز وجل لأهل الجنة مِنْ نعيمٍ، ليس له في الدنيا نظير ولا شبيه، وما أعَدَّه لأهل النار مِنْ عذاب، يدخل ضمن الإيمان باليوم الآخر الذي هو أصل وركن مِنْ أصول وأركان الإيمان.. والإيمان بالجنة والنار وما فيهما مِنْ نعيم وعذاب، فرع مِنَ الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإذا آمنا بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، صَدَّقْنا بكل ما جاءنا به مِنْ عند الله، ومما أخبرنا به وحدثنا عنه الجنة والنار وما فيهما من نعيم أو عذاب، وأحوال أهل كل واحدة منهما، وقد قال الله تعالى عن نبيه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}(النجم:4:3). قال السعدي: "أي: ليس نطقه صادرا عن هوى نفسه.. ودلَّ هذا على أن السُنة وحي مِنَ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {وَأَنزلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(النساء:113)، وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه، لأن كلامه لا يصدر عن هوى، وإنما يصدر عن وحي يوحى"..
وقد أجمع أهل السُنة على أن الجنة والنار موجودتان مُعدَّتان لأهلهما ولا تفنيان، فالجنَّة رحمة الله تعالى ودار كرامته أعدَّها لأوليائه وعباده الصالحين، والنار دار عذابه أعدَّها للكافرين والفُجار.. قال إمام أهل السُنة أحمد بن حنبل (المُتَوفَّى:241هـ): "وإن الله خَلَق الجنة قبل الخَلق، وخلق لها أهلاً، ونعيمها دائم.. وخَلَق النار قبل خَلْقِه الخَلْق، وخَلَقَ لها أهلاً وعذابها دائم". وقال أبو زُرْعَة الرازي (المتوفى:264هـ): "والجنة حق، والنار حق، وهما مخلوقتان لا يفنيان أبداً، والجنة ثواب لأوليائه، والنار عقاب لأهل معصيته إلا مَنْ رحم الله عزّ وجل". وقال الإمام الطحاوي (المتوفى:321هـ) في العقيدة السلفية التي تنسب إليه المعروفة بالعقيدة (الطحاوية): "والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، فإن الله تعالى: خلق الجنة والنار قبل الخَلق، وخلق لهما أهلاً، فمَنْ شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومَنْ شاء منهم إلى النار عدلاً منه". وقال الشيخ حافظ حكمي: "والنار والجنة حق، وهما موجودتان لا فناء لهما"..
والنار والجنة لهما أسماء متعددة، فمن أسماء الجنة: جنة عدن، وجنات عدن، لأن العدن الإقامة، وكلها دار إقامة، ودار الخُلْد، ودار السلام، لأن جميعها للخلود والسلامة من كل خوف وحزن. وكذلك جنات النعيم، وجنة النعيم، لأن كلها مشحونة بأصناف النعيم.. ومِن أسماء النار: الجحيم، جهنم، لظى، السعير، سَقَر، الحُطمة..
والملائكة خَلْقٌ مِنْ مخلوقات الله تعالى، خلقهم الله من نور، وهم عباد مُكْرَمون، خَلْقاً وخُلُقاً، برَرَة صفة وفعلا، قال الله تعالى عنهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(التحريم:6). والملائكة بالنسبة إلى ما هيأهم الله تعالى له ووَكلهم به على أقسام، وقد ورد في الكتاب والسُنة أسماء بعضهم، والأمور الموكلة إليهم، ومِن ذلك: جبريل المُوَكل بالوحي من الله تعالى إلى رسله عليهم الصلاة والسلام، ومنهم الْمُوَكَّلُ بِالْقَطْر (المطر) وَتَصَارِيفِه، ومنهم الْمُوَكَّل بِالصُّور وهو إِسْرَافِيل عليه السلام، وَمِنْهُمُ الْمُوَكَّلُونَ بِفِتْنَة الْقَبْرِ وهُمْ مُنْكَرٌ وَنَكِير.. ومِن الملائكة كذلك خزنة الجنة، وخزنة النار، قال اللَّه تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}(الزُّمَرِ:73). وقال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}(الزُّمَرِ:71).. فالجنة لها خزنة مِنَ الملائكة تتلقى المؤمنين بالبِشارة والسلام والثناء، وللنار خزنة مِنَ الملائكة تتلقى أهلها بالتثريب والتأنيب.. قال ابن القيِّم: "الخَزَنة جمْع خازن، مِثل حَفَظة وحافِظ، وهو المؤتمَن على الشَّيء الذي قد استحفظَه"..

أولا: خزنة الجنة:
1 ـ قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}(الزُّمَرِ:73). قال ابن كثير: "وكانت هذه الأمور مِنْ فتح الأبواب لهم إكراما وتعظيما، وتلقتهم الملائكة الخَزَنة بالبِشارة والسلام والثناء، لا كما تلقى الزبانية (خزنة جهنم) الكفرة بالتثريب والتأنيب". وقال السَّعْديُّ: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} تهنئة لهم وترحيبا: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي: سلام من كل آفة وشر حال.. وفي الآيات دليل على أن النار والجنة لهما أبواب تُفْتَح وتُغْلَق، وأن لكل منهما خزنة، وهما الداران الخالصتان، اللتان لا يدخل فيهما إلا مَنِ استحقهما، بخلاف سائر الأمكنة والدور".
2 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْن في سبيل اللَّه، دَعاه خَزَنَة الجَنَّة، كُلُّ خَزَنَة باب: أيْ فُلُ (أي: فلان) هَلُمَّ، قالَ أبو بَكْرٍ: يا رسول اللَّه، ذاكَ الذي لا تَوَى عليه (لا هلاك وضياع عليه)، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي لَأَرْجو أنْ تَكُون منهم) رواه البخاري. قال العيني: "(خَزَنَة الْجنَّة) فَإِنَّهُم الملائكة". وقال ابن حجر: "دَعَاهُ خَزَنَة الْجَنَّة كُلّ خَزَنَة بَابٍ أَيْ خَزَنَة كُلّ بَاب". وقال المناوي في "فيض القدير: "سُمِّيَ الموكَّلُ بحِفظِ الجنَّة خازِنًا، لأنَّها خِزانة الله تعالى أعَدَّها لعباده.. وظاهِره أنَّ الخازِنَ واحِدٌ، وهو غيرُ مراد، بدليل خَبَرِ أبي هريرة: (مَنْ أنفق زَوجينِ في سَبيلِ اللهِ دعاه خَزَنةُ الجنَّةِ كُلُّ خَزَنةِ بابٍ: هَلُمَّ..) فهو صريحٌ في تعَدُّدِ الخزنة، إلَّا أنَّ رِضوان أعظَمُهم ومُقَدَّمُهم، وعظيمُ الرُّسُلِ إنما يتلقَّاه عظيمُ الحَفَظة".
3 ـ وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آتي بابَ الجَنَّة يوم القيامة فأسْتفْتِح، فيقول الخازِن: مَنْ أنْتَ؟ فأقُول: مُحَمَّد، فيَقول: بكَ أُمِرْتُ لا أفْتَحُ لأحَدٍ قَبْلَك) رواه مسلم. قال المُظْهِري في "المفاتيح في شرح المصابيح": "(الخازن): واحد الخَزَنَة، وهو مَلَكٌ موكَّلٌ بحفظ الجنة، سُمِّيَ خازنًا لأن الجنةَ خزانة الله سبحانه وتعالى، أعدَّها للمؤمنين، وهو حافظُها". وقال الهروي: "(آتِي) أَيْ: أَجِيءُ (بَابَ الْجَنَّة يَوْم القيامة فَأَسْتَفْتِح) أَيْ: أَطْلُب فَتْحَه (فَيَقُول الْخَازِن: مَنْ أَنْتَ)؟ سُمِّيَ الْمُوَكَّلُ لِحِفْظِ الْجَنَّة خَازِنًا لأن الْجَنَّةَ خَزَانَة اللَّه تعالى أَعَدَّهَا اللَّهُ للمؤمنين (فَأَقُول مُحَمَّد) أَيْ: أَنَا مُحَمَّد (فَيَقُول: بِكَ) أَيْ: بِفَتْحِ الْبَاب لَكَ قَبْل غَيْرِك مِنَ الْأَنْبِيَاء (أُمِرْتُ أَنْ لَا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ)".
ثانيا: خزنة جهنم:
1 ـ قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}(الزُّمَرِ:71). قال الطبري: "{وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} قُوَّامُها". وقال ابن كثير: "يقول لهم خَزَنَتُها مِنَ الزَّبانِيَة - الذين هم غِلاظُ الأخلاق، شِدادُ القُوى - على وَجهِ التقريع والتوبيخِ والتنكيل: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}". وقال السعدي: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ} أي: سَوْقا عنيفا، يضربون بالسياط الموجعة مِنَ الزبانية الغلاظ الشداد، إلى شر محبس وأفظع موضع، وهي جهنم التي قد جمعت كل عذاب، وحضرها كل شقاء.. {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} مهنئين لهم بالشقاء الأبدي والعذاب السرمدي، وموبخين لهم على الأعمال التي أوصلتهم إلى هذا المحل الفظيع".
2 ـ قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ}(غافر:49). قال ابن كثير: "لما علموا أن الله، سبحانه لا يستجيب منهم ولا يستمع لدعائهم، بل قد قال:{اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}(المؤمنون:108) سألوا الخزنة - وهم كالبوَّابين وفي نسخة: كالسَّجَّانين لأهل النَّار - أن يدعوا لهم الله أن يخفف عن الكافرين ولو يوما واحدا من العذاب". وقال الشوكاني في "فتح القدير": "{لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} جمع خازن، وهو القَوَّام بتعذيب أهل النار".
3 ـ قال الله تعالى: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ}(الملك:8). قال الطبري: "{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ} يقول جلّ ثناؤه: كلما ألقي في جهنم جماعة {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} يقول: سأل الفوجَ خزنة جهنم، فقالوا لهم: ألم يأتكم في الدنيا نذير ينذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه؟"..

مُقَدَّم ورئيس خزنة الجَنة:
اشْتُهِرَ أن مُقَدَّم ورئيس خزنة الجنة مِنَ الملائكة اسمه "رضوان"، إلا أن هذه التسمية لم ترَدِ ْفي القرآن الكريم، ولا في السُنة النبوية الصحيحة، والثابت في الأحاديث الصحيحة لقبه (الخازن) لا اسمه، فقد ثبت في حديث الشفاعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آتِي بَابَ الْجَنَّة يَوْم القيامة فَأَسْتفْتِح، فَيَقُول الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُول: مُحَمَّد، فَيَقُول: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ) رواه مسلم. وإنما ورد اسم "رضوان" في بعض الأحاديث ضعفها الكثير مِنْ أهل العلم.. وقد توارد بعض العلماء على إطلاق اسم "رضوان" على مُقَدَّم ورئيس خزنة الجنة. قال ابن كثير في "البداية والنهاية" في كلامه عن الملائكة: "وَمِنْهُم الْمُوَكَّلُون بِالْجِنَان، وإِعْدَاد الْكَرامة لأهْلها، وَتَهْيِئَة الضِّيَافة لِسَاكِنِيها، مِنْ مَلَابِس وَمَصَاغٍ وَمَسَاكِن وَمَآكِل وَمَشَارِب، وغير ذلك مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر. وخَازِنُ الْجَنَّة مَلَكٌ يُقَالُ له رِضْوَان، جَاءَ مُصَرَّحًا بِه في بَعْضِ الْأَحاديث". وقال المناوي: "سُمِّيَ المُوكَل بحفظ الجنة خازنا، لأنها خزانة الله تعالى أعدها لعباده.. وظاهره أن الخازن واحد، وهو غير مراد، بدليل حديث أبي هريرة: (مَنْ أنفق زوجين في سبيل الله، دعاه خزنة الجنة، كل خزنة باب: هلم). فهذا وغيره من الأحاديث صريح في تعدد الخزنة، إلا أن رِضْوان أعظمهم ومقدمهم، وعظيم الرسل إنما يتلقاه عظيم الحفظة". وقال الشيخ ابن عثيمين: "وأما "رضوان" فمُوكَل بالجنة، واسمه هذا ليس ثابتا ثبوتا واضحا كثبوت مالِك (يعني: خازن النار) لكنه مشهور عند أهل العلم بهذا الاسم". وقال ابن القيم في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح": "قد سمى الله سبحانه وتعالى كبير هذه الخزنة رضوان، وهو اسم مشتق من الرضا، وسمى خازن النار مالكا، وهو اسم مشتق مِنَ المُلك، وهو القوة والشدة".
مُقَدَّم ورئيس خزنة والنار:
عدد خزنة جهنم تسعة عشر، ومقدمهم مالِك، قال الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}(المدثر:30:27). قال ابن كثير: "قوله: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} أي: من مُقَدَّمِي الزَّبانية، عَظيمٌ خَلْقُهم، غليظٌ خُلُقُهم". وقال السعدي: "{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} مِنَ الملائكة، خزنة لها، غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون". وقال الله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}(الزخرف:77). قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} فَلَمَّا قل صبرهم نادوا يَا مَالك خَازِن النَّار". وقال ابن كثير: "{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} وهو: خَازِنُ النَّار". وعن سَمُرة بن جُنْدُب رضي الله عنه في حديث رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم التي رآها في منامه قال: (فأخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، قالَا: نَعَمْ، أمَّا الذي رَأَيْتَه.. والذي يوقِدُ النَّارَ مالِكٌ خازِن النَّار، وأنا جِبريلُ، وهذا ميكائيل) رواه البخاري.

الجنة دار الله ودار كرامته، ومحل أوليائه وعباده الصالحين، وفي الجنة نعيم لا مثيل له، ليس له في الدنيا نظير ولا شبيه، وفي الجنة ما لا عينٌ رأَت ولا أذُنٌ سمعَت، ولا خطَر على قَلبِ بَشَر، قال صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: أعددْتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مصداق ذلك في كتاب الله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(السجدة:17)) رواه البخاري. والنّار ـ والعياذ بالله ـ مثوَى الكافرين والمنافقين، والفجار والأشرار، أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أقلِّ أهلِها وأهونِهم عذابًا بقوله: (إنَّ أهْوَنَ أهْل النَّار عَذابًا يوم القِيامة لَرَجُلٌ تُوضَع في أخْمَصِ قَدَمَيْه (ما لم يُصِبِ الأرضَ مِن باطِن القدم) جَمْرَةٌ، يَغْلِي منْها دِماغُه) رواه البخاري. وللنار سبعة أبواب يدخل منها الكافرون ويخلدون فيها، ويدخل منها العصاة مِنَ المسلمين الذين شاء الله لهم ذلك ولا يُخَلَّدون فيها. قال الله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ}(الحجر:44:43) . قال ابن كثير: "أخبر أن لجهنم سبعة أبواب: {لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} أي: قد كتب لكل باب منها جزء من أتباع إبليس يدخلونه، لا محيد لهم عنه - أجارنا الله منها ـ، وكل يدخل من باب بحسب عمله، ويستقر في دركٍ بقدْر فعله".. وللجنة أبواب ثمانية يدخل منها المؤمنون، قال الله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ}(ص:50)، وقال صلى الله عليه وسلم: (الجنَّةُ لها ثمانية أبواب، و النارُ لها سبعةُ أبواب) رواه أحمد. قال ابن عبد البر في "الاستذكار": "وقد قيل إن للجنة ثمانية أبواب، وأبواب جهنم سبعة - أجارنا الله منها ـ، فأما أبواب جهنم ففي كتاب الله ما يكفي في ذلك المعنى، قال الله عز وجل: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ}(الحجر:44:43). وأما أبواب الجنة فموجودة في السُنة مِنْ نقل الآحاد العدول الأئمة".. وللنار خزنة من الملائكة عددهم تسعة عشر، وهم غلاظ شداد أقوياء، ومالِكٌ عليه السلام هو كَبيرهم ومُقَدَّمُهم، وهم الذين يستقبلون أهلها بالتقريع والتأنيب والتنكيل، قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}(الزُّمَرِ:71).. وللجنة خزنة من الملائكة وهم الذين يستقبلون أهلها بالترحاب والبشرى، مهنئين لهم ومُسَلِّمين عليهم بأجمل تحية وأعذبها، ومقدمهم رِضْوَان ـ كما ذكر الكثير من أهل العلم ـ، قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}(الزُّمَرِ:73)..

الإيمان بالجنة النار، وما أعده الله للمؤمنين في الجنة مِنَ الكرامة والنعيم، وما أعدَّه للكفرة والعصاة في النار من الشقاء والعذاب، يحث المسلم ويدفعه إلى السعي والمسارعة للفوز بالجنة، والنجاة والهرب مِن النار، قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}(آل عمران:133). وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بِشِقِّ تمْرة) رواه البخاري..

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة