الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أقوي من جانب الالتزام وحب التدين لدى إخوتي الصغار؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 20 عامًا، ولدي إخوة توأم في عمر السابعة تقريبًا، ولا أدري ما هي الطريقة حتى أؤسس بها بناءً فكريًا، ودينيًا قويًا ومتينًا لديهما، في زمن به الكثير من الملهيات والمشتتات عن واقعنا، ومضيع لديننا.

لا أريدهما أن يتشتتا بهذا الواقع السيء، أريد أن يكبرا على حب الدين، والدفاع عنه، والانتماء إليه، لكن لا أدري كيف أتعامل معهما؟ وكيف أبني هذا الشيء بداخلهما؟

أشعر بمسؤولية كبيرة جدًا تجاههما، على الرغم من وجود والداي -والحمد الله-. من الممكن أن تكون المسؤولية نابعةً من أن جيلي أقرب لجيلهما؛ فأنا عشت، وعايشت مساوئ هذا الجيل، ولا أريدهما أن يضيعا، ويتمنيا وجود أحد يدلهما، ويمسك بيدهما مثلي. حتى إخوتي البالغين من العمر 14، 15، 16، وحتى الأكبر مني، 24، 25، أيضًا لا أدري كيف أتعامل معهم؟

أشعر بالمسؤولية تجاه الجميع، رغم أنني في بداية الطريق لبناء نفسي، وفكري، وديني. أشعر بأن عائلتي بعيدة عن الدين، لكنني لا أريد رؤيتهم هكذا، فماذا أفعل؟ وما هي نصائحكم لي؟ عائلتي متدينة في جوانب، و مقصرة في جوانب أخرى.

جزاكم الله كل الخير، ووفقكم لما يحب ويرضى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لانا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكِ لصالح القول والعمل.

بدايةً، هنيئًا لكِ -أختنا الكريمة- هذه الهمة العالية في إصلاح نفسك ومن حولك، وهنيئًا لكِ هذا الحرص المبارك على الارتقاء بذاتك، ودعوة إخوتك، وأهل بيتك؛ فطريق الدعوة إلى الله تعالى، وإصلاح النفس والمجتمع، هو عمل الأنبياء، وأخيار هذه الأمة، قال الله تعالى:
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، وقال جل شأنه: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

أختنا الفاضلة: إن شعورك بالمسؤولية تجاه إخوتك الصغار، وأمام عائلتك، وحرصك على صلاحهم، وحفظهم من مفاسد المجتمع الكثيرة، نابع بلا شك من وعي بخطورة الواقع، وما فيه من فتن ومغريات، وإدراكٍ لتأثيره العميق على بناء شخصيتهم مستقبلاً وسلوكهم.

ومن هنا جاء دافعك القوي للحرص على تنشئة إخوتك على الخير، ودعوة أهل بيتك إلى الإصلاح والاستقامة، وهذا الطريق –ولا ريب– طريق مبارك عظيم، ولكنه يحتاج إلى منهجية واضحة؛ حتى يعطي ثمرته -بإذن الله تعالى-؛ حيث يقوم على مسارين متلازمين:
الأول: مرتبط بالداعية (النفس).
والثاني: مرتبط بالمدعو (المدعوين).

المسار الأول: إعداد النفس: فإن الدعوة لا تقوم إلا على استقامة الداعي، وإعداده لنفسه إعدادًا صحيحًا، فإذا صلحت نفس الداعي، واستقامت، كان تأثيره أعمق وأقوى، وقد قيل" فاقد الشيء لا يعطيه".

ومن أهم ما تصلحين به نفسك:
أولاً: الإخلاص لله تعالى: اجتهدي في تصحيح نيتك، واجعلي قصدك خالصًا لله عز وجل، لا تبتغين بعملك غير وجهه سبحانه، فكل عمل خالص يباركه الله ويكتب له القبول والثمرة.

ثانيًا: العلم النافع: بادري إلى طلب العلم الشرعي بتدرج، وابدئي بالعقيدة الصحيحة، ثم القرآن تلاوةً وتدبرًا وفهمًا، ثم السيرة النبوية، ثم فقه العبادات والمعاملات، وهكذا بقية علوم الشريعة التي تعينك على أن تدعي إلى الله على بصيرة كما أمر الله سبحانه.

ثالثًا: التدرج في الدعوة: فالدعوة تحتاج إلى صبر وأناة، ولا ينبغي استعجال النتائج، بل يلزم الداعية أن يكون طويل النفس، ثابتًا على التكرار، لا يمل من المحاولة والمبادرة.

رابعًا: الرفق واللين: وهما من أسس الدعوة الناجحة، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الرِّفْقَ لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه).

خامسًا: القدوة الحسنة: وهي أعظم وسائل التأثير، ومن أكبر أسباب نجاح الداعية أن يكون قدوة في أخلاقه وسلوكه وتعامله، ونموذجًا عمليًا لما يدعو إليه من محاسن الأخلاق وكريم الصفات. فقد سُئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلُق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: كان خلقه القرآن، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- قرآنًا يمشي على الأرض، في التزامه واستقامته، والقدوة في الناس لها أثر بالغ قد يغني عن كثير من الكلام والجهد؛ فالناس يتأثرون بالعمل الصادق أكثر من الأقوال المجردة.

سادسًا: تنويع أساليب الدعوة: فلكل قلب مفتاح، وليس كل الناس يناسبهم الأسلوب نفسه، والداعية يحتاج إلى فقه وحكمة في اختيار الطريقة الأنسب، بما يفتح القلوب، ويؤثر في النفوس.

سابعًا: بناء الذات: فالداعية بحاجة إلى شخصية قوية ومؤثرة، وهذا يتطلب وعيًا واسعًا، وفكرًا مستنيرًا، وفهمًا للواقع، واحتياجات الناس، ولا يتحقق ذلك إلا بالاطلاع المستمر على الكتب النافعة، والتأمل في سير القدوات وتجاربهم، فكثرة القراءة والاطلاع تقوي ملكة التعبير والتأثير، وتُنمّي القدرة على فهم المجتمع واحتياجاته.

ثامنًا: الصلة الوثيقة بالله تعالى: ومن أهم ما يحتاجه الداعية أن يكون أكثر الناس التزامًا بالطاعات، شديد المحافظة على الاستقامة، ودائم الصلة بالله بالعبادات القلبية والبدنية؛ فهو بحاجة إلى تزكية نفسه؛ ليُثبّت الله قلبه أمام العقبات والفتن، ومن أعظم وسائل ذلك: حفظ القرآن وتلاوته، والمحافظة على النوافل، وصيام التطوع، وسائر القربات.

المسار الثاني: دعوة الآخرين: إذا اجتهدتِ في بناء نفسك كان الطريق إلى دعوة غيرك ميسورًا، وأثر التربية المبكرة في الأطفال أعمق وأرسخ؛ لذلك من أهم ما يُغرس في نفوسهم، ويبني فكرهم، وهم صغار بتدرج وحب على النحو التالي:

أولًا: ربطهم بالقرآن الكريم، والسنة النبوية، تحفيظًا، وتلاوةً، وتدبرًا، وسيرةً، وقصصًا.
ثانيًا: تعويدهم وتحبيبهم الصلاة في المساجد وربط قلوبهم بها.
ثالثًا: اختيار الصحبة الصالحة لهم، لتكون بيئة آمنة تحيطهم بالخير والاستقامة.
رابعًا: القدوة العملية من الكبار أمامهم، فالأطفال يقلدون ما يرونه من سلوكيات وأقوال أكثر مما يستجيبون للكلام المجرّد، فالحذر من وقوع الكبار في سلوكيات، أو ألفاظ خاطئة أمام الأطفال؛ لأنهم قد يقلدونها ولو لم يُدعَوا إليها مباشرةً.
خامسًا: تنمية مهاراتهم الحياتية، وعلى رأسها حب القراءة النافعة؛ لأنها تبني العقل، وتنمّي الشخصية الناقدة الواعية التي لا تقبل الباطل، ولا تستسلم للواقع السلبي.

بالنسبة للتعامل مع الإخوة الكبار من المراهقين أو الشباب: فليكن أسلوبك قائمًا على المودة والاحترام، مع الحرص على القدوة الصالحة، والنصح بالرفق واللين، وتجنّب إصدار الأحكام السريعة عليهم، أو استعجال التغيير فيهم؛ فالتغيير الحقيقي يحتاج إلى صبر وتدرج، كما يحتاج إلى الدعاء الدائم لهم بالهداية.

أختنا الفاضلة: إن شعورك بالمسؤولية تجاه الجميع شعور جميل، وراقٍ، ولكن لا ينبغي أن يشعرك بقلق يُثقل كاهلك بما هو فوق طاقتك؛ فالهداية بيد الله وحده، وما على الداعية إلا بذل السبب، والاجتهاد في النصح قدر استطاعته، وأما الثمرة فهي من عند الله، قال تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)، وأفضل ما تقدمينه لعائلتك أن تكوني أنتِ قدوةً صالحةً في أخلاقك، واستقامتك، ونجاحك، مع دوام النصح بلطف وحكمة.

ولا تنسي أن الدعاء سلاح عظيم، فأكثري من الدعاء لنفسك، ولعائلتك، وإخوتك، مستعينةً بالله تعالى في كل خطوة، قال الله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

نسأل الله أن يوفقك، ويثبتك على طاعته، ويجعلك سببًا لهداية نفسك وأهلك.

وفقك الله ويسر أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً