كلما تخلصت من الوساوس عادت إليّ بشكل آخر، فما الحل؟

2025-09-18 00:15:48 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمَة الله وبركاته.

إخوتي في الله، نسأل الله أن يحفظكم.

أنا شاب عمري 17 عامًا، أعاني من مشاكل كثيرة في حياتي، وأعيش في دوامة من الهم والغم، أو بالأحرى أكره الحياة، ولا أريد البقاء فيها؛ بسبب ما تعرضت له.

لقد كبرت في عائلة عبارة عن مشاكل؛ فلا يمر يوم بدون مشكلة كبيرة في البيت، ويصل الأمر إلى المشاجرة، والضرب بالأيدي، والمشكلة أن ذلك يحدث بين جميع أفراد العائلة، وليس بين أفراد معينين، ولكن كبرت، وفهمت الحياة، وعرفت أن مصيرها إلى فناء، فلا توجد عائلة لا تخلو من هذا الأمر.

أنا أعاني من مشكلة منذ 5 سنوات؛ ففي سنة 2021 تعددت علي الوساوس في العقيدة، وأصبحت تتردد علي كل عام، وكلما تخلصت منها عادت بشكل آخر، وحتى عامنا هذا لم أرتح ليلةً واحدةً في حياتي من كثرة التفكير؛ فقد أصابني وسواس في العقيدة، ووسواس في الوضوء، وفي الصلاة، ووسواس أني مصاب بالرهاب الاجتماعي، وأنا لست مصابًا به، ومن ثم وسواس في شكلي، فكرهت شكلي، حتى وصل الأمر إلى الوسواس في لهجتي، وفي هويتي، ووجودي، وقد يئست من هذا الأمر.

دائمًا أحمد الله عز وجل على نعمه؛ فحالتي المادية جيدة -والحمد لله-، ولا أعاني من أمراض غير هذا المرض الخبيث الذي سلب مني فرحتي، وثقتي، وجعلني مثل اللعبة يحركني كيفما شاء؛ فتارةً أطمئن به، وتارةً أكتئب بسببه.

أقسم بالله أني أكتب لكم ودموعي تنزل؛ فقد كنت شابًا على خير، ولا تفوتني صلاة واحدة، وكنت أخاف الله عز وجل في كل أمري، وأحرص على ألّا أفعل ذنبًا واحدًا في حياتي، ولكن قتلني الوسواس، ودمر روحي، ودمر فرحتي، وأنا مقبل على الجامعة، ولدي طموحات وتجارب أريد أن أخوضها.

أريد أن أعيش حياتي، وأستقر نفسيًا؛ فقد تعب جسدي، وضاق صدري، فأرجو أن تساعدوني، وجزاكم الله خيرًا.

أسأل الله أن يوفقكم، ويحفظكم، ويعينكم، ويسهل عليكم أمركم.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مهاب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يشرح صدرك ويعافيك من همّك وغمّك، وأن يملأ قلبك نورًا وطمأنينةً، وأن يعيذك من كيد الشيطان ووساوسه، وأن يفتح لك أبواب الخير.

فدعنا نجيبك من خلال ما يلي:

أوّلًا: حقيقة ما تمرّ به: الذي وصفته من وساوس في العقيدة والعبادات والهوية والشكل، مع شعور بالضيق والاكتئاب، هو ما يسميه العلماء والأطباء بـ"الوسواس القهري"، وهذه الوساوس ليست دليلًا على ضعف إيمانك، بل هي ابتلاء وامتحان؛ فالوسواس في العقيدة أمر عرف منذ زمن الصحابة، حتى جاء قوم إلى النبي ﷺ وقالوا: "يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأَن يخرَّ من السماء أحبُّ إليه من أن يتكلّم به" يعنون بعض الوساوس في العقيدة، فقال ﷺ: "ذاك صريح الإيمان" أي أن مجرد كراهتك لهذه الوساوس، دليل على أن إيمانك؛ لأن قلبك يرفضها ويستعظمها.

إذًا اعلم يقينًا: أن هذه الوساوس ليست كفرًا منك، ولا دليلًا على ضعف عقيدتك، بل هي ابتلاء، ومعاناتك منها علامة على إيمانك، لا على فقدانه.

ثانيًا: المعنى الشرعي للابتلاء:
الله جل جلاله يقول: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا آمَنّا وَهُم لا يُفتَنون﴾. فالابتلاء سنّة ماضية، وهو باب لرفع الدرجات، وتكفير السيئات، والوسواس أحد أبواب الابتلاء، فإذا صبرت واحتسبت، كان لك عند الله أجر المجاهدين؛ لأنك تحارب عدوًا خفيًّا لا يراه الناس.
ثم اعلم أن الله أرحم بك من نفسك، وما يريده منك ليس أن تكون "كاملاً بلا ذنب"، بل يريد منك الصدق في التوبة، والمجاهدة في العبادة، والثبات على الطريق ولو زلّت القدم أحيانًا.

ثالثًا: كيف تتعامل مع الوسواس عمليًا:
-الإعراض لا المناقشة: لا تناقش الوسواس، ولا تحاول الرد عليه؛ لأنك كلما ناقشته قويت شوكته، قال الله تعالى: ﴿وَإِمّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطانِ نَزغٌ فَاستَعِذ بِاللَّهِ﴾.
-التحقير: كلما جاءك وسواس، قل في نفسك: "هذا من الشيطان، لا وزن له عندي"، وغيّر تفكيرك لشيء آخر.
-المداومة على الذكر: حافظ على أذكار الصباح والمساء، خصوصًا آية الكرسي، والإخلاص والمعوذتين ثلاثًا؛ فهي حرز لك من الشيطان والعين.
-الصلاة بلا تكليف زائد: لا تكرر الوضوء، ولا تكبّر مرات عديدة، وتوضأ مرةً وصلّ، ولا تلتفت للشك؛ فالنبي ﷺ قال: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا، فأشكل عليه: أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"، وهذا منهج نبوي في تجاهل الشك.
-سورة البقرة: اجعلها وردًا في بيتك، تقرأ، أو تُسمع بانتظام؛ ففي الحديث: "إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة".

رابعًا: اعلم أن الوسواس مرض له علاج عند الأطباء النفسيين، ولا حرج أن تراجع طبيبًا مختصًا، فهذا لا يقدح في إيمانك، والأدوية والجلسات السلوكية تفيد جدًا مع التحصين الشرعي، واحذر أن تعزل نفسك، بل حاول أن تخالط أصدقاء صالحين يشجعونك ويذكّرونك بالله، فالوحدة تزيد الوسواس. واستثمر وقتك في شيء مفيد كالرياضة، والقراءة، أو في مهارة، أو عمل تطوعي؛ فالانشغال بالخير يطرد الفراغ الذي يتسلل منه الوسواس.

خامسًا: التطمين والرجاء:
أبشّرك أن الله لا يؤاخذك على هذه الوساوس ما دمت كارهًا لها؛ قال ﷺ: "إن الله تجاوز لأمتي عمّا حدّثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم به"، وثق أن هذه الفترة الصعبة لن تدوم؛ فكثير ممن مرّوا بتجارب مشابهة تعافوا، واستعادوا حياتهم، بالصبر والرقية والعلاج.

وأخيرًا: لا تستسلم لليأس؛ فأنت شاب في السابعة عشرة، مقبل على حياة مليئة بالفرص، وما تمر به الآن امتحان مؤقت، وسيكون -بإذن الله- نقطة قوّة في حياتك إن صبرت، وتذكّر دائمًا أن الله قريب: ﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنّي فَإِنّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ﴾.

أسأل الله أن يقضي لك الخير حيث كان، والله الموفق.

www.islamweb.net