قصر القامة يسبب لي التعاسة وعدم الثقة بالنفس، ساعدوني!

2025-09-22 02:46:08 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني منذ طفولتي من مشكلة كبيرة، وهي الوسواس القهري، الذي كان يجعلني أخاف من المستقبل، وأفكر في أشياء سيئة، والعديد من الأمور الأخرى التي لا يسع المجال لذكرها كلها.

عندما كبرت قليلًا وكان كل من حولي يزداد طولهم، للأسف توقف طولي عند 149 سم، وهذا ما أستطيع قوله إنه عُقدتي الكبيرة، والتي جعلتني أفقد الثقة بنفسي، مع أنني في السابق كنت واثقة جدًّا من نفسي.

قصري عَقَّدني لما كان الناس يضحكون عليّ، وأصبتُ بالاكتئاب، وهذا جعلني أنعزل عن الناس، والحمد لله، أمي امرأة متدينة، ومن صغري كنت أصلي وأقرأ القرآن وأصوم النوافل، وأحب ربي كثيرًا، لكن قضية الطول كانت دائمًا عقدتي.

حاولت لسنوات طويلة أن أتخلص منها، وأرضى بما قسمه الله لي، لكن لم أستطع بسبب الوسواس، ودائمًا يتردد في رأسي أنني غير مقبولة وأقل من الجميع، وأنه لن يتزوجني أحد ولن يحبني أحد، مع أني في شكلي جميلة، لكن مشكلتي هي القصر فقط، الوسواس مستمر حتى اليوم، وعمري 22 سنة، ولا يفارقني في أي وقت.

أنا الآن أدرس الطب، وأطلب العلم الشرعي، وأقرأ الكتب وأؤلف، لكن الوسواس يأتي كل حين، وتتردد كلماته في رأسي كل دقيقة: أنتِ قصيرة، ولن تنجحي في شيء، ومَن سيتزوج قصيرة مثلك؟

أصبحت هذه الوساوس تعيقني عن عملي ودراستي وكل شيء، لدرجة أني أضرب رأسي بيدي وأقول لنفسي: "يكفي، اسكتي، لا أريد أن أسمع".
قرأت عن الرضا بالقضاء والقدر، وأقول لنفسي: أنا راضية عن خَلْقي، لكن هذه الكلمات التي تتردد في رأسي لا أستطيع تجاهلها.

مؤخرًا، صديقاتي كلهنَّ بدأن يُخطبن ويتزوجن، إلَّا أنا، فيأتي الوسواس ليقول: "ألم أخبرك أنه لن يقبل أحد بالزواج منك؟".
أنا صراحة أحب الزواج من رجل طويل، طوله حوالي 180 سم، لكن مرة أخبرت صديقاتي فضحكن وقلنَ: "مستحيل، ستبدين قزمة بجانبه، ولن يقبل بك"، وهذا آلمني كثيرًا، مع أن بعض النساء في عائلتي أقصر مني وتزوجن برجال لديهم طُول في القامة جدًّا، ويحبونهنَّ ويحترمونهنَّ.

وعندما أذكر هذا للوسواس، يقول لي: "لكن أنت مستحيل أن يحدث هذا معك"، وهذا الوسواس يجعلني أتأخر في عملي الطبي في المستشفى، وأخجل من أن أتقدم وأكشف على المريض، لأن الوسواس يقول لي: "المريض إذا رآك لن يقبل أن تكشفي عليه بسبب طولك هذا".

أعتذر عن الإطالة، ولعلكم فهمتم سؤالي، وشكرًا لكم.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لَمَا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

أيتها الفاضلة، كما تفضلت أنه لديك ميول للوسوسة، والوساوس بصفة عامة كثيرًا ما تُؤدي إلى هشاشات نفسية في جوانب مُعيَّنة عند الإنسان، فمثلًا: أنت بالنسبة للقِصر النسبي لقامتك، أصبحت الوساوس تتلاعب بك في هذا الجانب.

والوسواس في الأصل -أيًّا كان نوعه- يجب أن يُعامل ويُعالج بالتجاهل والتحقير، التجاهل والتحقير هما الأساس الرئيسي للعلاج، ويجب أن يتوقف الإنسان عن الحوار الوسواسي، هذه هي الأسس العلاجية الرئيسة، فأرجو أن تطبقي ذلك، حقّري هذه الأفكار، لأنها بالفعل أفكار حقيرة، هذا هو خلق الله، والناس تتفاوت في قاماتهم، وسوف تجدين من هي طويلة أيضًا أكثر مما هو معهود، ومَن هي قصيرة، ومَن هي متوسطة، وأنت ذكرتِ بالفعل أن هناك مَن هو أقصر منك.

فارضي بخلق الله وبطولِك، واحمدي الله كثيرًا على ذلك، وتجدين الكثير من الناس لديهم اختلافات شكلية فيما يتعلق بقوامهم، وفيما يتعلق بطولهم، وفيما يتعلق بأوزانهم، ... وهكذا.

فأرجو - أيتها الفاضلة - أن تَقفلي هذا الباب تمامًا من خلال التجاهل والتحقير، وعدم الدخول في أي نوع من الحوارات الوسواسية.

اصرفي نفسك إلى قراءاتك وإلى دراستك واجتهادك للتميز في الطب، و-إن شاء الله- ستكونين من أميز الأطباء، وفي ذات الوقت -والحمد لله- لديك الرغبة لطلب العلم الشرعي، فهذا باب من أبواب الخير الكثير.

إذًا مجرد صرف طاقاتك وتفكيرك ووجدانك ومقدراتك المعرفية نحو التحصيل الدراسي العلمي، ونحو الطلب العلمي الشرعي؛ هذا في حد ذاته سيكون إنجازًا عظيمًا جدًّا بالنسبة لكِ.

موضوع الزواج: سَلي الله تعالى أن يرزقك الرجل الصالح، أعتقد أن هذا هو المطلوب والمقياس الحقيقي، وبعد ذلك موضوع الطول والوزن وخلافه، إن شاء الله سوف تتجاوزين هذا الأمر، أسأل الله أن يرزقك الزوج الصالح، هذه هي نصيحتي لكِ، وهذه تكفي تمامًا.

أود أن أقترح عليكِ أن تتناولي أحد مضادات الوساوس البسيطة لمدة قصيرة وبجرعة صغيرة، توجد أدوية فاعلة جدًّا تعالج الوساوس، ومن أشهرها ما يُسمّى (فافرين - Faverin) والذي يُسمّى (فلوفوكسامين - Fluvoxamine)، أنتِ تحتاجين له بجرعة صغيرة ولمدة قصيرة.

الجرعة في البداية 50 ملغ مساءً لمدة عشرة أيام، ثم اجعلي الجرعة 100 ملغ ليلًا يوميًا لمدة شهرين، ثم اجعليها 50 ملغ ليلًا لمدة عشرة أيام، ثم 50 ملغ يومًا بعد يومٍ لمدة عشرة أيام أخرى، ثم توقفي عن تناول الفافرين.

الفافرين دواء رائع وجيد وغير إدماني، ولا يُؤثّر على الهرمونات النسائية، والجرعة التي وصفناها لكِ هي جرعة صغيرة، حيث إن الجرعة الكلية العلاجية هي 300 ملغ في اليوم، لكنك لا تحتاجين إلى هذه الجرعة، وتوجد أدوية أخرى كثيرة، لكن الفافرين هو الأنسب.

أرجو أيضًا أن تحرصي على حُسن إدارة وقتكِ، وتجنبي الفراغ، والنوم الليلي المبكر أيضًا يحسن كثيرًا من الصحة النفسية والجسدية، واحرصي على ممارسة الرياضة.

بارك الله فيكِ، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

___________________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم، مستشار أول الطب النفسي وطب الإدمان،
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد سعيد الفودعي، المستشار التربوي والشرعي.
___________________________________________________

مرحبًا بك - ابنتنا الكريمة - في استشارات إسلام ويب.

قد أفادك الأخ الفاضل الدكتور محمد بما يُفيدك من الناحية الصحية وكيفية التعامل مع الوساوس، ونحن نؤكد ما أوصى به، ونقول لك: إن العلاج الأمثل والدواء الأنفع للوساوس بإخبار النبي ﷺ وإرشاده، هو الإعراض الكامل عن الوسوسة وعدم التفاعل معها، كما قال النبي ﷺ لمن أصيب بشيء من الوساوس: (فليستعذ بالله، ولينته)، أي: يقطع التفكير بما تُمليه عليه الوسوسة، ويُنهي التفاعل معها، وهذا هو العلاج الأنفع، كما شهد بذلك الأطباء، ومنهم الدكتور محمد فيما أسداه إليك من نصيحة.

وبقي -أيتها الكريمة- أن نُذكِّرك بجانب مهمٍّ ينبغي أن تتأملي فيه، وهو ما فضلك الله تعالى به وميَّزك به عن كثير من الفتيات والنساء، فقد أعطاك الله تعالى خيرًا كثيرًا، فأنت كما وصفت جميلة في شكلك وخلقك، وأنت كذلك جميلة في تدينك وأخلاقك، وأنت كذلك متميزة في دراستك، وناجحة في حياتك، وجادة فيما تتعاطينه من العلوم والأمور، وهذه كلها مناقب ومِيزات تفتقدها كثير من الفتيات، وهي محل اهتمام كبير لدى الرجل الذي يبحث عن زوجة.

فانظري إلى ما حباك الله وأعطاك وأنعم به عليك، هذا يدفعك نحو شُكر الله تعالى، والشعور بالسعادة والرضا، وأن الله تعالى قد أعطاك شيئًا كثيرًا حُرمت منه فتيات لا يُحصي عددهنَّ إلا الله تعالى.

كوني على ثقة من أن الزواج لا يتأثر بما تفكرين به أنت من مسألة الطول فقط، وأنت قد ذكرت في سؤالك أن كثيرًا من النساء القصيرات في أسرتك قد تزوجن برجال بينهم من المحبة والمودة وأسباب استمرار الحياة الزوجية ما يكفل بقاء هذه الحياة واستمرارها، وأنت فيك من المؤهلات والصفات المرغبة في الزوجة الصالحة ما يزيد عليهنَّ، فكوني على ثقة من أن الله تعالى قد أعطاك من الخير شيئًا كثيرًا.

ولكن كوني أيضًا في الوقت نفسه مُحسنة الظنّ بالله تعالى، وأنه لا يُقدِّر لك إلَّا ما فيه الخير والسعادة، وهو أرحم بك من نفسك، فاسأليه - سبحانه وتعالى - أن يرزقك الزوج الصالح.

ونحن نؤكد على ما أوصاك به الدكتور/ محمد، من أن الأساس في اختيارك ينبغي أن يكون هو صلاح هذا الزوج دينًا وأخلاقًا، عملًا بوصية النبي ﷺ: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فهذان الوصفان هما ركائز الحياة الزوجية السعيدة، فالدين يمنع الزوج من ظلم زوجته، والخلق يمنعه من إساءة معاشرتها، إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.

فاسألي الله تعالى أن يُقدِّر لك الخير، وأن يرزقك الزوج الصالح، وتأكدي أن ما يُقدّره الله تعالى لك هو الخير والمنفعة، وإن كنت تحرصين على خلافه، فالله تعالى أعلم بمصالحك، وأرحم بك من نفسك.

نسأل الله تعالى أن يُوفّقك لكل خير.

www.islamweb.net