زوجتي تشترط توفير سكن خاص بها وبأمها للرجوع إليّ، فما رأيكم؟
2025-09-21 02:53:46 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعد وفاة زوجتي الأولى، تزوجت مرة أخرى، وفي انتظار حصول زوجتي الجديدة على تأشيرة السفر إلى فرنسا، قمت بإسكانها مع والدتها في شقتي الخاصة.
مؤخرًا، أصبحت زوجتي حاملاً دون اتفاق مسبق بيننا على هذا الأمر، وبعد نقاش دار بيننا حدث بعض الخلاف والغضب بيننا.
هي الآن تتهم أخواتي بأنهنَّ يُردن بها السوء ويضمرن لها الشر، وذلك دون أن تقدّم أي دليل على اتهاماتها، وبناءً على ذلك قررتْ من تلقاء نفسها أن تترك بيت الزوجية، وتنتقل للعيش مع والدتها دون أخذ إذني.
وهي الآن تشترط لعودتها أن أستأجر لها مسكنًا مستقلًّا، ومنفصلًا وحدها مع أمها دون أي فرد من عائلتي، والسؤال هو: هل أسكن زوجتي وأمها في شقتي وحدهما دون أي فرد من عائلتي؟
أرجو منكم النصح والإرشاد، جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نور الدين .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك - ابننا الفاضل - في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يهدي زوجتك والأخوات لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.
ولا يخفى على أمثالك من الفضلاء أن الحساسيات والغَيْرة، تكون موجودة بين الزوجة وبين أم الزوج وأخواته، وهذه الأمور ينبغي أن نحتكم فيها جميعًا إلى الشرع، الشرع الذي يهذب في المرأة غيرتها، ويجعلها تراعي أحكام الشرع، وعندما أقول المرأة لا أقصد الزوجة، ولا أقصد الأم والأخوات، فهؤلاء نساء جميعًا.
وأيضًا من المهم جدًّا أن يكون لك موقف جميل في النصح والملاطفة، والحرص على أداء الحقوق المختلفة، فالوالدة لها حق، وحقها عظيم، وكذلك الزوجة لها حق، وحقها عظيم، والأخوات لهن عليك حق، فهن رحم، والنجاح أن يُوازن الإنسان بين هذه الحقوق، فيحفظ للوالدة حقها، ويحفظ للزوجة حقوقها وخصوصيتها، ويحفظ للأخوات الاحترام والحقوق أيضًا، وهذه معادلة ليست من السهولة بمكان، ولكن الإنسان يستعين بالله - تبارك وتعالى - ويُسدد ويُقارب، وننصحك بما يلي:
أولًا: الحرص على تربية الجميع على طاعة الله تبارك وتعالى، والتذكير بهذا الشرع الذي يُحرِّم الغيبة والنميمة وسوء الظن، وهذا ينبغي أن يكون على انفراد مع كل طرف وبمنتهى اللطف.
ثانيًا: ينبغي أن تحرص على إبعاد كل ما يُسبِّب الاحتكاك، يعني: إذا كان المطبخ، أو أي مكان آخر، هذا كله ينبغي أن تُباعد بين الفرص التي يدخل منها الشيطان.
ثالثًا: ينبغي أن تُوصل للوالدة مكانتها ومنزلتها، وهذا حق؛ لأن بر الوالدين من الطاعات العظيمة، وهي طاعة ربطها العظيم سبحانه بطاعته، قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وقال: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ}.
رابعًا: شجع زوجتك على الصبر على الوالدة لأنها الأكبر سنًّا، ولأنها في مقام والدتها، وعوضها خيرًا بأن تُكرمها، وتبالغ في إكرامها عندما تحترم الوالدة.
خامسًا: الأخوات أيضًا عليك أن تحفظ لهنَّ الحقوق، وتجتهد في أن تشعرهنَّ أنك راضٍ عنهنَّ، وأنك لا تأخذ بكلام الزوجة، فتُعادي هذه، ولا تعادي الزوجة أيضًا من أجل كلام هؤلاء.
ودائمًا نحن نقول: عندما يحصل اشتباك بين النساء؛ من الحكمة ألَّا يتدخل الرجل؛ لأنه لو قال: "اسكتي يا فلانة"، معناه أنه يُقدِّر الأخرى أكثر منها، ولو قال: "أنت مخطئة" فإن الطرف الثاني يقول "هو يقف مع هذه"؛ ولذلك الإنسان لا يجد في مثل هذه الأحوال إلَّا أن يستعين بالله - تبارك وتعالى - ويجتهد في أن يُبعد أسباب الشقاق كما ذكرنا.
وأيضًا لابد من مراعاة الظروف التي تمر بها الزوجة؛ فإن الحمل له آثار وله انعكاسات، وأرجو ألَّا تلومها على هذا الحمل؛ لأنها لا تملك ذلك، هذا أمرٌ قدره الله تبارك وتعالى.
لا مانع من أن يكون هناك اتفاق وتنسيق بين الزوج وزوجته، وهذا يسمى (تنظيم النسل)، وليس تحديده، وهذا تُبذل له الأسباب، لكن مع ذلك قد يحصل حمل، فعند ذلك لا ينبغي أن يلوم الزوج زوجته؛ لأن هذا الأمر قد لا يكون بيدها، وأيضًا ما يُقدره الله - تبارك وتعالى - هو الخير، ولكن هنا ينبغي أن تُقدِّر الظروف التي تمر بها المرأة في أشهر حملها الأولى، وليس معنى هذا أننا نؤيد ما حصل منها، ولكن عليك أن تُسدد وتقارب، ولا تستعجل في اتخاذ القرار.
وبالنسبة للوالدة: هل لها من يرعاها غيرك؟ هل هي بحاجة لك؟ هل يمكن أن يكون لك بيت للزوجة ولو كان على مسافة ومقربة من بيت الوالدة، حتى تستطيع أن تراعي الوالدة وتقوم بحقوق الزوجة؟ هذه معادلات ينبغي أن تتعامل معها بهذا المستوى، أي من الحكمة ومن الحنكة، بحيث أن تُؤدي الحقوق كاملة.
نحن لا نريد أن تقصِّر في حق الوالدة، هذا خطير جدًّا، ولا نريد أن تظلم الزوجة، وهذا خطير أيضًا، ولا نريد أن تفسد علاقات الرحم مع أخواتك أو علاقات المصاهرة يعني مع حماتك، أو ...، هذه العلاقات ينبغي أن نحافظ عليها؛ لأن الشرع يدعونا إلى الحفاظ على هذه العلاقات.
فتعامل مع الوضع بهدوء وحكمة، وعليك أن تعلم أن الزمن جزء من الحل، فلا تستعجل في اتخاذ قرارات، واترك الأمور تمضي بهدوء، وحاول دائمًا أن تنقل المشاعر النبيلة، فإذا جئت للوالدة تَذْكر لها أحسن ما قالته الزوجة عنها، وإذا جئت للزوجة تَذْكر لها أحسن ما ذكرته بها الأخت أو الوالدة؛ لأن هذا فعل المؤمن، الذي يقول خيرًا وينمي خيرًا، المؤمن الذي إذا سمع سيئة دفنها، وإذا سمع حسنة نشرها، هذا له أثر كبير جدًّا.
وعليك أيضًا أن تفوّت الفرصة على النمامين والنمامات، فلا تسمع لأي طرف أن يتكلم عن الطرف الثاني بالسوء، وذكِّر الجميع بالله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يعينك على تجاوز هذه المرحلة التي تحتاج إلى أن تتعامل فيها بحكمة وفق الشرع الذي يأمرك برعاية كل هذه الحقوق، فلا تظلم هذا، ولا تظلم الطرف الثاني، واجتهد في إقامة العدل، وتعامل مع الوضع بحكمة.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات والهداية والسداد.