تعرضت لاكتئاب وأصبح كل شيء في الدنيا ثقيلاً علي!
2025-09-23 01:18:37 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندي ضيق من فعل أي واجب، ولكن أبدأ باختصار حياتي.
عمري 27 عامًا، أبي – غفر الله له – كان وما زال كريمًا في إنفاقه علينا، وما زال يُنفق عليَّ دون تذمّر، بل يُحزنه أن أرفض مالًا منه، ولكنه شديد القسوة علينا، كان يضربنا ضربًا مبرحًا، ووصل الأمر أن ضربني بالسكين يومًا، وكان الضرب الشديد يرتبط في كثير من الأحيان لأجل الصلاة وحفظ القرآن، وأحيانًا كان الضرب دون وجه حق.
لمدة عام أو يزيد كانت تضيع أموال من البيت، وكنتُ أُتهم بسرقتها وأُعاقب، ويعلم الله أني لم أسرقها، وكان أبي وأمي يتشاجران أمامي، ويَسبّها بأفظع الألفاظ، وعندما بلغت 17 من العمر أصبتُ بوسواسٍ شديدٍ في الصلاة وفي النية وفي القرآن، وبعد عام شفيتُ مِن قَدْرٍ كبيرٍ منه.
ثم أُصبتُ بالتشدد في الدِّين، وكنتُ أفرط في صلاة النوافل وقراءة القرآن وتقصير الثوب، ونصح الناس في أمور خلافية، وكان كل ذلك بسبب الرعب الذي ملأ قلبي من الله، فكان في هذا التشدد رجوع جديد للوسواس.
وبعد بلوغي العشرين أصبتُ بالاكتئاب الشديد، وكنت أريد أن أترك الإسلام وأعتنق اللادينية مع الإيمان بوجود خالق، ولكن شاء الله أن أبقى على الإسلام.
وتطور الاكتئاب، وكنتُ أجرح جسدي جروحًا شديدة، ورسبت في الجامعة عامين، واعتزلتُ أهلي وكل الناس لأكثر من عام، وزرت عدة أطباء، وكنت أكره الدواء، ورضيت بمرضي، وكنت أشعر بالكراهية تجاه الناس كلهم.
وقد فكرت في الانتحار بأن أحتسي سمًا، ثم أشرع في الصلاة، ثم أعرضت، وحاولت الانضمام للجيش للمشاركة في حروبه، ولم أفلح.
ولم أجد بُدًا مِن أن أعيش مستقيمًا، فالتحقت بكلية أخرى، ونجحت بتفوقٍ، وبدأتُ في مشوار نيل الماجستير، ولم يتم بعد.
أكتب لكم كي أصف حالي بعد هذه الفترات:
أنا الآن أصلي بدون روح فيها، وحاولت كثيرًا أن أحب القرآن فما زاد صدري إلَّا ضِيقًا به، ولا أحب أهلي، وأُعين أبي في كبره، وأحاول بر أمي وقد انفصلت عن أبي، وأحاول جاهدًا أن أرعى أختي المسكينة التي لم تجد من يربيها حق التربية.
كل شيءٍ في الدنيا يضيق به صدري، كل شيءٍ ثقيل جدًّا: المذاكرة، الصلاة، رعاية والديّ، أختي، وقد هجرت القرآن، ومنذ اكتئابي أدمنت الإباحية وما زلتُ، وحاولت تركها ولم أفلح بعد، ماذا أفعل؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحِّبُ بك -أخي الفاضل- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكرُ لك أوَّلًا تواصُلَكَ معنا بهذا السؤال، وثانيًا على ثقتِكَ بنا، بحيثُ ذكرتَ كلَّ هذه التفاصيل.
لا أكتُمُكَ سرًّا - أخي الفاضل - أنِّي تألَّمتُ ممّا ورد في سؤالكَ، وما عانَيْتَهُ في حياتِك - بارك اللهُ فيك - فكلُّ هذه التفاصيل الكثيرة، وأنت ما زلت في السابعِ والعشرين من العمر، أدعو الله تعالى أن يشرَح صدرَك، ويُخفِّف عنك ممَّا تعانِيه.
لا شكَّ أنَّ التربيةَ والتنشئة التي نشأت عليها، من عنفِ والدِك وضَربِهِ المُبرِّح، أثَّرتْ فيك بهذا الشكل الكبير، فضغوطات الحياة من هذا النوع، وما نُسمِّيه (امتهانَ الأطفالِ الفيزيائي) لا شكَّ أنَّه يُضعِفُ الإنسان، ويجعله أكثر عُرضةً لكثيرٍ من الاضطراباتِ النفسيّة، كالوسواس القهريِّ والاكتئاب، وغيرهما.
حتّى وصلتَ إلى مرحلةٍ تقوم فيها بجرحِ نفسِكَ وإيذائِها بالشكلِ الذي وصفتَ في سؤالك، وهذا كلُّه أثَّر على تدَيُّنِك ومُمارستِك للإسلام، ومع ذلك تُحاول كلَّ هذه السنين أن تتجاوز هذه المعاناة لتكون على الشاكلة التي تُريد أن تكون عليها.
أخي الفاضل: هناك عبارةٌ جميلةٌ تقول: "نحن لسنا أسرى لماضينا" أي: صحيح أنَّ ماضينا قد يكون مؤلمًا صعبًا، إلَّا إنَّ هذا ليس مُبرِّرًا لنبقى عليه، وكونُك - أخي الفاضل - كتبت إلينا فهذا دليلٌ على أنَّك حريصٌ على التغييرِ والإصلاحِ والصلاح.
طبعًا أحمدُ الله تعالى على أنَّكَ مُلتزمٌ بدينِك، بالرغمِ من كلِّ ما حصَل معكَ، فهذا أمرٌ أحمدُ اللهَ تعالى لكَ عليه، وأدعوك أن تستمرَّ فيما أنت فيه من الصَّلاةِ والقُرب من اللهِ عزَّ وجلَّ، وأن تكثر من الدعاء، وسترى فرجاً ومخرجاً بإذن الله تعالى، فقد قال سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
والشُّعورَ بلذَّةِ الإيمانِ وحلاوتِها أمرٌ كلُّنا نُجاهدُ لنصلَه، وقد يتأخَّر علينا أحيانًا، إلَّا إنَّ هذا ليس مُبرِّرًا لترك هذه المُحاولةِ والسَّعي، والرسول ﷺ يقول: «اعْمَلوا، فكلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له».
لا شكَّ - أخي الفاضل - أنَّ العنايةَ بصحَّتِكَ النفسيَّةِ والبدنيَّةِ يُساعدُكَ جدًّا على تجاوزِ ما أنتَ فيه، ولا شكَّ أنَّ الابتعادَ عن الإباحيَّةِ وما يتعلَّقُ بها أيضًا أمرٌ يزيد من ثقتِكَ في نفسِك، ويُقرِّبُكَ أكثر من حلاوةِ الإيمان، فـ «احرِصْ على ما ينفعُكَ، واستعِنْ باللهِ، ولا تَعجَزْ».
أنا أحمدُ اللهَ تعالى لكَ أيضًا أنَّك متقدِّمٌ في دراستِك، بالرغمِ من كلِّ ما حصَل، وها أنتَ تعمل على رسالةِ الماجستير، هذه من أجمل الإيجابيات التي يجب أن تنظر إليها بجانب الإيجابيات الأخرى، انظر لنفسك وما وهبك الله من نعم حرمها غيرك، كفهمك وعلمك، وسمعك وبصرك، وقوتك، ووالد ينفق عليك رغم قسوته التي ذكرت، والتي هي تعبير عن محبته، لكن بطريقة خاطئة -غفر الله له- فمن شدة حرصنا كآباء أحياناً قد نخطئ الطريق، وتذكر -أخي- أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، فلا يوجد فيها من هو منعم من كل وجه، فلا بد من أشياء تنغص علينا حياتنا، ثم تذكر أنك مأجور على هذا الاكتئاب الذي أصبت به، فحتى الشوكة يشاكها العبد فإنه يؤجر عليها.
أخي الكريم: إنك تحتاج لأن تقرأ في جمال الصلاة ولذة القرب من الله، وتقرأ في موضوع البلاء وأهله؛ هذا سيدفعك إلى استشعار حلاوة الصلاة والخشوع فيها، إن الصلاة إذا صلحت صلح ما بعدها وإذا فسدت فسد ما بعدها، استحضر القلب والعقل وأنت بين يدي الله تعالى، واسأله الرحمة والعون ليخرجك مما أنت فيه من ظلام وضيق إلى نور الحق والسلامة، واعلم أن الخير كله في رضا الله تعالى عنا.
كما لا يفوتنا أن ننصحك بأن لا تعتزل الناس، بل خالطهم، وتفاعل معهم، وتعلم منهم وعلمهم، واصبر عليهم، ففي كل ذلك الخير الكثير للمؤمن، فقد ورد في الحديث " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"، وأيضًا اختر منهم من يعينك في الطريق إلى الخير وبناء الذات والأهم معرفة الله تعالى، وسبل الوصول إليه، ولن تعدمهم، ففي بلدك الكثير من الصالحين وأهل العلم وأصحاب الأخلاق.
أخيرًا - أخي الحبيب - إذا وجدت صعوبةً من التغييرِ في نفسِكَ، أو وجدت الأفكارَ الوسواسيّة تشتدّ، أو أنَّ الاكتئاب بدأ يشتدّ، فلا مانع من أن تُراجِع أحد الأطبَّاءِ النفسيِّين، أو حتى الأخصائيِّين النفسيِّين، فبعض الجلسات النفسيّة يُمكن أن تُخفِّفَ عنكَ وتُعينَكَ على تجاوزِ ما مررت به في حياتِك.
أدعو اللهَ تعالى لكَ بتمامِ التوفيقِ والصحَّةِ والسَّلامة.