توقفت عن مساعدته بسبب ظروفي...فهل أخطأت في حقه؟

2025-09-22 01:45:00 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ترددت كثيرًا قبل أن أكتب مشكلتي أو عقدتي، لا أعلم ماذا أسميها، لكني حزينة جدًا رغم إيماني الكبير بالله.

أنا فتاة، عمري 39 عامًا، موظفة في وزارة التربية، عزباء، والداي متوفيان، وأعيش في منزل الورثة مع أخي المتزوج وأطفاله، حياتي لا ينقصها شيء -والحمد لله- محافظة على صلاتي، وأحب الناس، ولم أُسئ إلى أحد.

قبل عامين تعرفت على رجل عمره 60 عامًا من إحدى الدول العربية، وكان شقيق شخصية معروفة توفاها الله، وتوطدت معرفتنا، علمت أنه يعيش وحده، ومنفصل منذ سنوات، ويواجه ديونًا وحالة مالية صعبة.

يعلم الله أنني كنت أعتبره مثل أبي، وهو اعتبرني كابنته، لم يكن بيننا أي مصلحة أخرى؛ ومن باب المساعدة، عرضت عليه حوالة شهرية، فوافق، واستمرت الحوالة، وسدد بها ديونه -والحمد لله-.

في صيف هذا العام، مررت بأزمة مالية، فأخبرته أن الحوالة ستنخفض لمدة أربعة أشهر حتى أرتب أموري، وكتبت ذلك منعًا للإحراج.

في اليوم التالي، هاتفته للاطمئنان، فحادثني بعصبية، وقال إن الأموال لا تهمه، وإن هذه هي النهاية، ثم أغلق المكالمة، انتابني غضب حينها، فقمت بحظره، ودعوت له بالخير.

بعد أسبوعين، اكتشفت أنه أرسل رسالة اعتذار في اليوم التالي، ودعاني للتواصل؛ لم أشاهد الرسالة إلا في الرسائل المحظورة؛ لأن رقمه كان تحت الحظر، وكان قد حاول الاتصال مرتين، ولم تصلني إشعارات، ولم أرد عليه.

بعد حوالي شهر من آخر حديث بيننا، علمت بوفاته، وجدوه الجيران بعد أيام، كان منعزلًا عن أهله، ولا يحادثهم، ويتواصل فقط مع أخته الكبرى لأسباب لا أعلمها.

الآن أشعر بندم وتأنيب ضمير لعدم ردي على رسالته، وأفكر أنني سبب وفاته.

وفقني الله لعمل صدقة جارية له، وأقرأ له القرآن دائمًا، وأدعو له كما أدعو لوالديّ في كل صلاة، لكنني أشعر أنني ظالمة، وأنني مجرمة، أشهد بالله أن نيتي كانت خالصة، وأن قصدي كان دائمًا الخير والمساعدة، ولم أقصد إيذاءه بأي حال.

أرجوكم أعينوني: هل أنا مخطئة ومذنبة؟ كيف أرتاح من هذا الشعور؟ أعوذ بالله من أن يكون هذا عقابًا أو قِصاصًا، وأستغفر الله له ولوالديّ وللجميع.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ راحلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هذا الإحساس بالذنب مع هذه المساعدة لهذا الرجل المسن يعد نموذج رحمة في قلبك، والله يثيبك على ذلك، وأنا أتفهم مشكلتك التي تشعرين بها، وحتى تطمئني أقول الآتي:

‏أولاً: هذه المساعدة، وتقدير ظرف هذا الرجل يعتبر صدقة ومساعدة وأجرًا كبيرًا، فنادر من يفعل ذلك، وقد جبرت خاطره، والجزاء من جنس العمل، الله تعالى سيجبر خاطرك، وهذه صدقة وإحسان قال الله تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) [المزمل:20] ومساعدتك له كانت تفريج كربة تؤجرين عليها، وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مؤمنًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) أخرجه مسلم.

‏ثانيًا: أنا على يقين أنك لم تخطئي في إخباره بالظروف المالية الصعبة التي طرأت عليك، بعد مساعدتك له شهريًا، ولمدة سنتين، وهذا حال الإنسان قد يمر بظروف صعبة، وكان الواجب عليه تقدير ظروفك الطارئة، وتقدير مساعدتك له طوال السنتين، وأما غضبك فقد كان شيئًا طبيعيًا في التعامل مع أسلوبه -عفا الله عنه-، ثم أنت لم تنتبهي للرسائل أو الاتصال، فليس عليك أي ملامة.

‏ثالثًا: لا يحتاج الأمر إلى تأنيب الضمير، أو الشعور بالخطأ، أو الإثم، وإنما هذا الشعور الذي تشعرين به إنما لأصل معدنك وطيب أخلاقك وسماحة نفسك، والأعمار بيد الله، وإنما مات الرجل بأجله، وقد عملت خيرًا حينما عملت له صدقة جارية، وقرأت له القرآن، ودعوت له بالخير كما لو كان والدك، فلا يحتاج الأمر إلى شعور بالذنب، أو الخطأ، فقد أحسنت -أحسن الله إليك-، وليس هذا بعقاب أو قصاص، وإنما الآجال بيد الله تعالى، قال الله تعالى: (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

أسأل الله تعالى أن يرزقك السعادة في الدنيا والآخرة، وأن يثيبك على هذه النفس الطيبة الكريمة، وأن يفرج همك، ويسعدك، اللهم آمين.

www.islamweb.net