والدي يؤذيني جدًّا بكلامه عني وعن أُمِّي أمام الناس والعامة!
2025-09-22 02:15:24 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والدتي توفيت منذ 6 سنوات، ومن هنا بدأت علاقتي بأبي بالتدهور؛ والسبب في ذلك: أن أبي وأمي كان بينهما أموال تُقدّر بـ 30 ألف دولار، كانت والدتي تتاجر بهذا المبلغ، وعندما اقتربت من الموت أبلغت أبي أن المبلغ غير موجود، وتوفيت ونحن لا ندري أين ذهب هذا المبلغ!
أبي تزوج بامرأة أخرى وأسكنها معنا في نفس المنزل، ولا أمانع في ذلك طبعًا، بل العكس، كنت متفهمًا ألمه وغضبه من تصرف والدتي، وعلاقتي به كانت لا مثيل لها كالصداقة، وأكثر من ذلك بكثير، وكنت أحبه كثيرًا، وهو كذلك، لكن منذ أن توفيت والدتي والعلاقة بيننا سيئة.
عندما ينزعج من تصرف أفعله مهما كان بسيطًا، يشتمني ويشتم والدتي أمام زوجته، وأحزن كثيرًا، وأشعر أنني منكسر، وفي أكثر من مرّة عندما يحدث أي خلاف -سواء أكان كبيرًا أو صغيرًا- يضربني ويشتمني، ويذكّرني بما فعلتْ والدتي بالمال الذي كان بينهما، ويُشعرني بأنني أنا السبب في ذلك، وهو يعلم أنني مثله لا علاقة لي بالأمر.
لا أمانع في شتمي وشتم أُمِّي وأحتسب أمري إلى الله، لكن ما يزعجني ويشعرني بالعجز أنه يسبّ أُمِّي أمام زوجته وأمام إخوتي، وأصبح يشتم أُمِّي أمام أعمامي وأزواج عماتي، ويتحدث أمامهم عني بأسوأ الصفات، وأشعر بالخجل تجاههم، ولا أستطيع النظر إليهم حتى.
بلغت من العمر 25 عامًا ولا زلتُ طالبًا جامعيًا، فقطع عني المصروف منذ سنة، ولا يكلمني أبدًا، وكنت أحبه، لكن الآن لا أريد سوى أن أُقدّم له الحد الأدنى من البر فقط، فقد دمّر نفسيتي، وآذاني جدًّا بكلامه عني وعن أُمِّي أمام الناس وأمام العامة.
عمري ما شتمته أو ضربته -لا سمح الله-، حتى أنني لا أتكلم عنه أمام الآخرين بالسوء أبدًا، هل يحق لي ألَّا أسامحه؟ وهل إذا سامحته يكون هذا من باب البر؟ أنا لا أدعو عليه أبدًا، لكن في نفس الوقت لا أريد مسامحته على هذا الأذى.
ما هو الحد الأدنى من البر لوالدي بحيث لا يصلني إثم أو أدخل في العقوق -لا سمح الله-؟ وهل إذا خرجت من البيت تفاديًا للمشاكل جائز شرعًا؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك - ولدَنا الحبيب - في استشارات إسلام ويب.
أوّلًا: نسأل اللهَ تعالى أن يوفِّقَك لكل خير، وأن يُعينَك على بِرِّك بأبيك، ويَرزُقَك الصَّبر، فما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا له وأوسعَ من الصَّبر، كما قال الرسول الكريم ﷺ.
ونحن نتفهَّم مشاعرَ الضيق التي تجدُها تجاه والدك بسبب تصرّفاته هذه، ولكن ينبغي أن تُذكِّر نفسَك دائمًا بعِظَم حقِّ الوالد، ومنزلتِه التي أنزله اللهُ تعالى فيها، وتذكُر الثواب الذي أعدَّه اللهُ تعالى لمَن أطاع والده وقام ببِرِّه، فقد جعل الرسول ﷺ بِرَّ الوالدين أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله تعالى، فقد سُئل عليه الصلاة والسلام: (أيُّ العملِ أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: الصلاةُ على وقتِها. قيل: ثم أيٌّ؟ قال: بِرُّ الوالدين، قيل: ثم أيٌّ؟ قال: الجهادُ في سبيل الله) فقدَّم بِرَّ الوالدين على الجهاد في سبيل الله في أكثر من حديثٍ من أحاديثه ﷺ.
فتذكُّرك - أيُّها الحبيب - لهذا الثواب وهذه المنزلة يُهوِّن عليك، ويُسهِّل القيامَ بِبِرِّ أبيك، فالجائزة عظيمة، والأجر كبير، والمسألة كلُّها صبرُ أيّامٍ أو ساعاتٍ أو شهور، فاستعن بالله ولا تَعجَز.
ونصيحتي لك ألَّا تسأل عن الحدِّ الأدنى من البِر، وإنّما جاهد نفسَك على القيام بما تقدر عليه من أنواع البِر، والبِرُّ: كلُّ إحسانٍ للوالد يُدخِل السرورَ على قلبه من قولٍ أو فعل، وقد أمرنا اللهُ تعالى في كتابه الكريم بالقول الكريم، قال: ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾، والكريم معناه: الحسن من الكلام.
وأوصى - سبحانه وتعالى - بالوالد وبحقوق الوالد، منها حقوق معنوية: كالتأدّب معه، ومخاطبته بالكلام اللَّين الرفيق، ومنها حقوق مادية: كالإنفاق عليه إذا احتاج إلى نفقة، والقيام بخدمته إذا احتاج إلى الخدمة، وطاعته فيما يأمر به ممَّا ليس فيه معصيةٌ لله تعالى، ولا ضرر على الابن.
فهذا ما يمكن أن يُقال إنّه الحدُّ الأدنى من البِر، ومع ذلك: ننصحك بأن تتقرّب إلى الله تعالى بالإحسان إلى والدك بما تقدر عليه ممّا ليس فيه عليك ضرر، فهذه عبادة جليلة تعود عليك بالنفع، فاللهُ تعالى يُحسن إليك كما تُحسن.
ومن هذا الإحسان - أيّها الحبيب -: كظمُ الغيظ، والتجاوز عن والدك، ومسامحتُه فيما يُسيء به إليك، فهذه عبادةٌ أخرى، وهي عبادة جليلة إذا فعلتَها مع سائر الناس، فكيف إذا كانت مع والدك؟ فقد وعد اللهُ - سبحانه وتعالى - الكاظمين الغيظ بالأجر العظيم، كما لا يخفى علييك، فقال: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، وقال في آخر أوصافهم: ﴿أُو۟لَـٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةࣱ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّـٰتٌ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ﴾.
فتذكُّرك - أيها الحبيب - لثواب الله تعالى لِمَن كظم غيظَه وعفا عمَّن ظلمه، يُسهِّل عليك تجاوز هذه المرحلة التي فيها إساءةٌ من والدك.
ولا بأس -أيها الحبيب- أن تستعين بمَن يُذكِّر والدك بأنَّ الميّت ينبغي أن يُذْكَر بمحاسن عمله، ولا بأس أن تنصحه أنت بذلك، إذا كان يقبل منك النصح بغير غضب.
أمّا خروجك من البيت لتسكن في غيره تفاديًا للمشكلات كما تقول؛ فهو جائز لا حرج فيه، إذا كان الوالد لا يَنهاك عن ذلك، أمّا إذا كان ينهاك عن ذلك فنصيحتُنا لك ألّا تفعل؛ فإنَّ طاعتَه واجبةٌ ما لم تكن في معصية الله تعالى، وما لم يكن في ذلك ضرر على الولد.
وأمّا ما تجد - أيها الحبيب - من حرجٍ بسبب ذِكْر والدك لأُمِّك بما يسوءُك، فلا ينبغي أن تعتنِي به كثيرًا، فكلُّ الناس يُدركون أنَّ هذا خُلقٌ لا يليق بالوالد أن يفعله، وينبغي أن يكون عيبًا في حقِّه هو، وليس منقصةً في حقِّك أنت، بل مسابقتُك إلى بِرِّه والإحسان إليه رغم ما يفعل ممّا يرفع شأنك في عيون الآخرين، ويُعلي قدرك.
نسأل اللهَ - سبحانه وتعالى - أن يُعينك ويتولّى توفيقَك، ويُيسِّر لك الأمر، ونسأل اللهَ تعالى أن يُوفِّقك لكل خير.