كيف أجعل قلبي يحب الحجاب وألتزم بصلاتي؟

2025-09-24 03:18:54 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

عندما بلغت عمر 9 سنوات ألزمني أهلي بالحجاب رغمًا عني، فنزعته بعد سنة، فضربوني أنواع الضرب لأني كنت أعارض ذلك، وفي تلك الفترة التي خلعت فيها الحجاب أصبح لدي أصحاب جيدون، وذهبت معهم في ذلك الطريق، وعرفوا أهلي عن ذلك من طريقة الكلام، فأخذوا هاتفي، حتى جاء الوقت الذي انتشرت فيه الكورونا، ولم أكن حينها أميل للشباب، فجربت أن أحب فتاةً، واستمرت علاقتنا لشهر، وفي يوم نمت وتركت حاسوبي مفتوحًا، فلما دخلت أمي لتوقظني وجدت المحادثة مفتوحة، فقرأت كل الكلام الذي بيننا، وكنت قد أرسلت لها صوري وهي كذلك، ومن يومها سحب هاتفي لمدة 6 أشهر، وأصبح أهلي يحتقرونني، ويهينونني، ولا يثقون بي، على الرغم من أنني الكبرى بين إخوتي، إلا أنني كنت مهانةً بينهم، وخسرت 20 كيلو جرامًا من وزني بسبب ما فعلوه معي.

الأمر الوحيد الذي ساعدني هو أنني عندما صرت الأولى على صفي، حينها أعطوني هاتفي، ولكنهم استمروا بتفتيشه لمدة سنتين، ثم توقفوا عن تفتيشه.

حياتي صارت مدمرةً، وقد حاولت أن أتوب، ولكني لم أستطع، أكره الحجاب، وأتمنى أن أزيله وأكون متبرجةً، فبماذا تنصحني لكي أحب الحجاب، وألتزم بالصلاة؟ لأني صرت أفكر بالانتحار.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ انشراح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكِ لصالح القول والعمل.

بدايةً: نهنئكِ بهذه الرغبة الصادقة في التوبة، وحرصكِ على الالتزام بالصلاة، وسعيكِ للبحث عن أسباب تجعلكِ تحبين الحجاب؛ فهذا كله دليل خير في قلبكِ، وعلامة على أن الله عز وجل يريد لكِ الخير والتوفيق في حياتك، وما عليكِ إلا أن تبادري وتجتهدي في تحقيق هذه الغايات المباركة.

أختنا الكريمة: لا يكفي مجرد الرغبة أو التمني، بل لا بد أن يكون لكِ سعي، ومبادرة، وعمل جاد لتحقيق ما تطمحين إليه، فالله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾، وهنا يكمن النجاح، وتبدأ خطوات التغيير نحو الأفضل، وهو البدء من الذات، فابحثي في نفسكِ عن أسباب ما جرى في حياتكِ، ثم تخلَّي عن السلبي منها، وبادري إلى التمسك بالإيجابي.

ولا شك أن الإنسان إذا اعتاد على أمرٍ وجد صعوبةً في تركه، ولكن إذا كانت الإرادة قويةً، والاستعانة بالله حاضرةً، فإن قوة القلب تزيل كل العوائق.

لذلك سنقدّم لكِ بعض النصائح التي تعينكِ على حب الحجاب، والالتزام بالصلاة، وتغيير حياتكِ مع أسرتكِ، كالتالي:

الخطوة الأولى: تغيير نظرتكِ للماضي بكل ما فيه من أخطاء وسلبيات، الماضي يجب أن ينسى، وإلا فلن تعيشي مرتاحة، فالشيطان يذكرك بالماضي ليفسد عليك حياتك، ويقول لك: أهلك فعلوا كذا وكذا، وحينها تتدمر نفسيتك، ويكون ذلك كالتالي:

أولًا: التوبة النصوح؛ فالرجوع الصادق إلى الله تعالى بتوبة نصوح، تتحقق فيها شروط التوبة الثلاثة: الندم على فعل المعصية، والعزم على عدم الرجوع إليها، والإقلاع عنها فورًا، فإذا أديتِ هذه الشروط غفر الله لكِ ذنبكِ، ومحا سيئاتكِ بحوله وقوته سبحانه، فالله رحيم كريم، يقبل التوبة، ويفرح بها، ويعين من صدق في الرجوع إليه، فلا تستعظمي ذنوبكِ أو أخطاءكِ؛ فإن الله واسع المغفرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون"، فبادري إلى التوبة، واغسلي قلبكِ بنور القرب من الله تعالى؛ لتجدي السعادة، ولذة الحياة التي غابت عنكِ طويلًا.

ثانيًا: إصلاح علاقتكِ بأسرتكِ، وخصوصًا والديكِ، ولعل ما فعله والداكِ بدا لكِ قاسيًا، أو شديدًا بعض الشيء، لكن اسألي نفسكِ: لماذا فعلوا ذلك؟ أليس حرصًا عليكِ، وحبًا لكِ، وسعيًا لأن تكوني صالحةً عفيفةً؟ ألا ترين أنهم حين رأوا تفوقكِ، ونجاحكِ، خففوا من شدتهم عليكِ؟

إن مرحلة الشباب والمراهقة مليئة بالاندفاع، وحب التجربة، والاكتشاف، وهنا يأتي دور الوالدين في التوجيه والرعاية؛ حتى لا يغرق الشاب أو الفتاة في السلوكيات المنحرفة، والعادات السلبية، وتذكري أن والديكِ هما المحضن الحقيقي الذي يحب الخير لك، وأن ردود فعلهم القاسية لم تكن إلا نتيجة خوف وحرص لتصرفات خاطئة صدرت منكِ، ومع التزامكِ بالخير والصلاح سيختلف تعاملهم تمامًا؛ فلكل فعلٍ رد فعل كما يقال، لذلك احرصي على برّ والديكِ، وطاعتهما في المعروف؛ فهذا باب عظيم من أبواب الجنة، والعقوق من الكبائر، ومن أعظم أسباب الحرمان من التوفيق في الدنيا، والعقاب في الآخرة.

ثالثًا: التفكير في العواقب والمقاصد؛ فكل أوامر الشرع هي خير، سواء أدركنا حكمتها أم لم ندركها، فالحجاب لم يُشرع ليقيد حريتكِ، أو يمنعكِ من حقٍّ أساسي في حياتكِ، بل شُرع صيانةً لكِ أولًا، وصيانةً للمجتمع ثانيًا، وحمايةً من الفتن والفساد الذي ينتج عن ذلك، وكذلك حين حرم الإسلام العلاقات غير الشرعية، إنما فعل ذلك حفظًا للأعراض من عبث العابثين، وصونًا للمرأة التي ستصبح أمًا للأجيال، لأن النتيجة مؤثرة جدًا في بناء أي مجتمع؛ فإن كانت صالحةً مستقيمة، أنشأت أبناء صالحين نافعين، وإن كانت منحرفةً، أفسدت وأسهمت في إفساد المجتمع.

ومن أعظم المحرمات كذلك العلاقة بين الجنس الواحد -والعياذ بالله-؛ فهي انحراف عن الإنسانية، وانتكاس للفطرة، وحيونة لإنسان أكرمه الله بالعقل، وقد أهلك الله قوم لوط بالعذاب الشديد حين قلبوا فطرتهم، وانحرفوا عن السبيل السوي بمثل هذا السلوك المنحرف.

الخطوة الثانية: البناء النفسي، والسلوكي، والأخلاقي، والديني:

الخطوة الأولى كانت هدمًا لكل ما هو سلبي، أما الخطوة الثانية فهي بناء لكل ما هو إيجابي، وتكون على النحو الآتي:

أولًا: إصلاح علاقتكِ بالله تعالى: بأن تبدئي بالتوبة الصادقة، ثم اجتهدي في المحافظة على الصلاة في أوقاتها، والإكثار من تلاوة القرآن والاستماع إليه، واجعلي لكِ وردًا من الدعاء والمناجاة؛ فالدعاء يقوي الصلة بالله، ويزيد الإحساس بالقرب من الله، فإذا قوي قلبكِ بالصلة بالله أحببتِ ما يرضيه، وابتعدتِ عما يغضبه، ومن ذلك الالتزام بالحجاب، والمحافظة على الصلاة، وبرّ الوالدين، وترك العلاقات المحرمة، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا وإن في الجسد مضغةً، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".

ثانيًا: ترك كل ما يذكركِ بالماضي: وهذا أمر مهم للغاية؛ لأن التعلق بالماضي يعوق التعافي؛ فالصديقة السيئة تذكّركِ بالانحراف، والمحادثات القديمة تعيدكِ إلى الذكريات، ومواقع التواصل والأفلام الماجنة تضعف قلبكِ، وتجرّكِ للوراء، لذلك اقطعي صلتكِ بكل ما يربطكِ بالماضي السيئ، وكل وسائله؛ فالقلب يحتاج إلى فترة نقاء وتعافٍ ليقوى على مقاومة الشهوات، والخلط بين الأعمال الصالحة والسيئة يضعف أثر الطاعة، أما العلاج الناجع فهو الإقلاع التام، وهو يسير لمن صدق في إرادته، وأكثر من الدعاء والالتجاء إلى الله، فإنه نعم المعين.

ثالثًا: بناء العادات الإيجابية: اعملي على إشغال نفسكِ بما ينفعكِ وينمّي قدراتكِ؛ فالتحقي بحلقات تحفيظ القرآن، وابحثي عن صحبة صالحة من الفتيات الطيبات المحجبات، واطلبي العلم النافع، وبادري إلى الأعمال التطوعية التي تجعلكِ تشعرين بقيمتكِ، وأنكِ خُلقتِ لرسالة أعظم من مجرد اتباع الشهوات، أو الانشغال بالعلاقات.

أخيرًا: روحك أسمى وأعلى من الانجرار خلف الشهوات، لذلك عليك أن تبادري ما دام أن الله جعل الرغبة في قلبكِ للاستقامة، فهي دليل حياة ونور، فاجتهدي في تقويتها بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة، واللجوء إلى الله تعالى، ولا تُثقلي على نفسكِ دفعةً واحدةً، بل تدرجي في العبادات حتى يلين قلبكِ، واعملي على إحيائه بالذكر، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، والدعاء، وابكي بين يدي الله تعالى، وافتحي صفحةً جديدةً من حياتكِ، واعلمي أن الحياة الطيبة والسعيدة التي يبحث عنها الكثير هي في القرب من الله، والتلذذ بطاعته، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

وتذكري دائمًا أن فكرة الانتحار لا تليق بمؤمنة عرفت ربها، فهي لا تزيد الحياة إلا شقاءً وخسارةً، وإنما هي نتيجة ضعف للإيمان، وغرق في الشهوات متراكم عبر السنين، أما الحل فهو أن تبادري إلى الخير، وتصدقي في التوجه إلى الله، وحينها ستجدين هذه الفكرة قد تلاشت من قلبكِ تمامًا.

نسأل الله تعالى أن يوفقكِ، ويشرح صدركِ، ويثبتكِ على طاعته، ويرزقكِ السعادة في الدنيا والآخرة.

www.islamweb.net