حائر بين فتاتين لكل منهما مميزات، فأرشدوني أيهما أختار؟

2025-09-27 23:57:41 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب أبلغ من العمر ستة وعشرين عامًا، أعمل في المجال الطبي، وأفكر في الزواج والعفة والاستقرار، -والحمد لله- لدي المؤهلات اللازمة للزواج.

أنا الآن في حالة حيرة في الاختيار بين فتاتين، إحداهما قريبة مني، تصغرني بست سنوات، تدرس في مجال العلوم الإسلامية واللغة، ولم يتبق لها سوى سنة على التخرج، أعرفها جيدًا، وكذلك أعرف أهلها بحكم القرابة، وهي تتمتع بجمال حسن، وخلق كريم، وطبع طيب، وقد تم ترشيحها لي من قبل أغلب أفراد العائلة تقريبًا، لما يرونه من مناسبتنا لبعضنا، وهم يلحون علي في الأمر.

أما الثانية: فهي بمثابة صديقة لأختي، تعرفت إليها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي في نفس عمر الفتاة الأولى، تدرس الصيدلة ولم يتبق لها سوى سنتان على التخرج، وتتمتع بدرجة جيدة من الدين والأخلاق، وشكلها مقبول، لكنها تتفوق على الأولى في ثقافتها ومهاراتها؛ فهي قارئة ومثقفة، ومع ذلك لا أعرف أهلها، ويجب التعرف عليهم.

ما يجعلني في هذه الحيرة هو أنني أرغب في الزواج من فتاة يكون بيننا توافق فكري وتشارك بعض الاهتمامات والثقافة، وأشعر أن ذلك من وسائل حفاظي على العفة؛ وذلك لأنني منعت نفسي -بفضل الله- من أي ارتباط أو حديث مع أي فتاة، ابتغاء وجه الله، وأتمنى أن يعوضني الله ذلك في حياتي الزوجية.

وأرى في الفتاة الثانية هذا التوافق؛ نظرًا لتقارب مجالاتنا العلمية والثقافية، وفي الوقت نفسه فقريبتي أعرفها جيدًا، وكذلك أعرف أهلها، وهم أناس محترمون، ولا يعيبها شيء سوى بعض النقص في الثقافة، والمستوى الفكري الذي أطمح إليه، وأشعر أن هذا قد يشكل فجوة ومصدراً للملل في حياتنا.

الفتاتان تسكنان في منطقتين بعيدتين عن مسكني، لكن هذا لا يشكل أي مشكلة، لقد تعبت من التفكير والمقارنات التي تدور في ذهني، وأخشى أن أتقدم لواحدة منهما، فأشعر بالندم على ما فاتني من صفات الأخرى، وأبدأ في المقارنة من جديد.

أرجو منكم أن تمنحوني نصيحة قيمة، وأن تفيضوا علي من خبرتكم في الزواج والعلاقات الأسرية، ما يساعدني في اتخاذ القرار الصحيح، لأنني أرغب في الخيار الأصح لا الأسهل، ثم أرجو منكم توضيح هذه التساؤلات، والتي هي ليس بسبب ميل لإحدى الفتاتين دون الأخرى:
- هل يمكن للنقص أن يٌعوض ويختفي الملل؟
- هل تزول المقارنات بعد الزواج؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبيدة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الأخ السائل: حياك الله، وشرح صدرك، وبارك لك في عمرك وعملك، ورزقك الزوجة الصالحة التي تقر بها عينك، وتكون عونًا لك على دينك ودنياك.

بداية: ما ذكرته من الحيرة أمر مفهوم وطبيعي، فأنت على أعتاب قرار مصيري سيؤثر على حياتك المستقبلية، وتحملك المسؤولية، وتفكيرك العميق في الاختيار يدل على نضجك، ورغبتك في بناء بيت متين على أساس الدين والتوافق، وهذا شيء محمود، وثق أن الله تعالى سيبارك لك هذه النية، وسيأجرك على هذا الهم -فجزاك الله خيرًا-، على حسن النية، وحسن التثبت قبل الإقدام.

دعني أوضح لك بعض النقاط الشرعية والواقعية، التي تساعدك على حسن الاختيار:

أولاً: معيار الاختيار الشرعي: حدَّده النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث بقوله: "فاظفر بذات الدين تربت يداك" [رواه البخاري ومسلم]، فالدين هو الأساس الأول، وبعده ينظر الرجل لما يميل إليه قلبه، من صفات الجمال والخلق والتوافق الفكري؛ لأن هذا أدعى لدوام المودة والسكينة، وكلا الفتاتين –بحسب وصفك– على قدر من الدين والخلق، وهذه نعمة كبيرة تسهل الاختيار، أو يمكنك المقارنة بسؤالك عن دين وأخلاق كلٍّ منهما حتى يرجح اختيارك.

ثانيًا: أهمية التوافق الفكري والثقافي:
التوافق في الاهتمامات والأفكار، يساعد على الانسجام، ويقلّل الفجوة بين الزوجين، لكنه ليس الشرط الوحيد لنجاح الزواج، فقد ينجح الزواج بين شخصين مختلفين فكريًا، بوجود الاحترام المتبادل والحب والرحمة، وقد يفشل الزواج بين شخصين متوافقين فكريًا، إذا غابت الأخلاق والتفاهم العملي.

ومع ذلك فإنه يظهر لي أن التوافق الثقافي من الأمور الجوهرية عندك، وتشعر أنه سيؤثر على استقرارك النفسي وعفتك، فهو جدير بالاعتبار عند الاختيار، وإن كنت أوصيك ألا ترفع سقف الطموح كثيرًا، فالعلاقة القائمة على التفاهم والانسجام بين الزوجين، كفيلة بأن ترفع مستوى ثقافة كل طرف، إذا اتخذا السبيل الموصلة لذلك.

ثالثًا: أثر المعرفة بالأهل والبيئة:
معرفة أهل الفتاة وبيئتها أمر مهم؛ لأنه يعكس التربية والقيم التي نشأت عليها، ويقلل من احتمالية الصدمات، أو المشاكل، والتوتر بعد الزواج، فتقدمك لقريبتك أسهل وأضمن من جهة معرفة الأهل والسمعة، بخلاف الفتاة الثانية التي يلزمك التعرف إلى أهلها ومجالستهم، وهو أمر ممكن، لكنه يحتاج إلى خطوات عملية وتأنٍ قبل القرار، ثم إن كون أهل الأولى أقرباء لك، بحاجة أيضًا أن تنظر ما يحسن أو يقبح مما ترغب فيه أنت، ولتكن معايير المقارنة بين الجهتين واضحة تمامًا، بالنسبة لك بحيث لا يغيب عنك أحدها حال المقارنة، مثل: طباع الوالد، أو من يؤثر في قرار العائلة، أو المستوى المالي والثقافي، إلى غير ذلك من المعايير التي تضعها لنفسك.

رابعاً: هل يُعوَّض النقص ويزول الملل؟
النقص في الثقافة يمكن تعويضه بالتعليم الذاتي، والمجالسة النافعة، وقد تكون الزوجة البسيطة المتواضعة أهدأ للحياة الزوجية، وأبعد عن الجدل والاختلاف، أما الملل فليس بالضرورة أن يرتبط بنقص الثقافة، بل أحيانًا يحدث بين أزواج متقاربين فكريًا؛ بسبب فتور المشاعر أو الروتين.

وربما تقع كثرة النقاشات والجدال بين متقاربي الثقافة، ومن تراك في مستواها الفكري والعلمي، وأنك لست أفضل منها في شيء، إلا إذا عصمها الدين وحسن الخلق، وغالبًا نحن الرجال لا نميل لمن يكثر الجدال، أو إبراز مستواها بتعالٍ، والحل إنما يكون في التجديد والاهتمام بالعلاقة الزوجية، القائمة على إيجاد مساحات مشتركة للنمو معًا.

خامسًا: هل تزول المقارنات؟
المقارنات قد تبقى فترة قصيرة بعد الزواج، إذا لم يكن القلب مطمئنًا للاختيار، لكنها تزول غالبًا مع تعوّد النفس على شريكها، إذا وجد القبول والاحترام، المهم أن تقدم بعد استخارة واستشارة حتى يدخل قلبك الاطمئنان، ولا يبقى مجال للندم.

سادسًا: أوصيك ببعض الوسائل العملية اليتي لعلها تساعدك على حسن القرار، ومن ذلك:
- الاستخارة بصدق: أكثر من صلاة الاستخارة، والدعاء بأن يختار الله تعالى لك الأصلح لدينك ودنياك، فالاستخارة تشرح الصدر، وتزيل الحيرة، وتجعلك تقدم.

- الاستشارة: استعن بوالديك أو من تثق بعقله وخبرته الأسرية، ليساعدك على تقدير المصلحة، خاصة وأني لم أجد في استشارتك أي ذكر لوالديك أو أخواتك المقربات، ممن تثق برأيهن، فمن الجيد أن يشاركوك اتخاذ القرار.

- التعرف إلى أهل الثانية: إن كان ميلك إليها أكبر، فاطلب التعرف على أهلها رسميًا، لتأخذ فكرة واضحة عن بيئتها قبل أي قرار، أوجد طريقة لتعرف أهلك عليهم، خاصة النساء من الوالدة والأخوات وغيرهنَّ.

- التأني وعدم الاستعجال: أعط نفسك وقتًا كافيًا، لتفكر بعيدًا عن ضغط العائلة أو العاطفة، ثم رتِّب أولويَّاتك في الاختيار، بأن تدوّن أهم الصفات التي تراها أساسية، ولا تستغني عنها في شريكة حياتك، ثم قارِن بموضوعية متجردة عن العواطف، مستعينًا بالله تعالى أن يختار لك الخير، ويرضِّيك به.

- يمكنك أن تخوض مرحلة خطبة رسمية قصيرة، مع من ترجحها نفسك بعد الاستخارة، فهذا سيريح قلبك ويجعل القرار أكثر وضوحًا، كما يمكنك أن تضع برنامجًا للارتقاء الثقافي المشترك، إن اخترت الفتاة الأقل ثقافة؛ فلتقرآ معًا كتبًا مختارة، وتشاركا في أنشطة تنموية، وإن رأيت أن التوافق الفكري حاجة أساسية لحياتك المستقبلية، فليكن خيارك من يحقق لك هذه الحاجة؛ حتى لا تعيش في صراع داخلي أو شعور بالحرمان.

أخي الحبيب: لا يوجد اختيار خال من التحديات، لكن حسن النية والاستخارة والمشاورة تفتح لك أبواب التوفيق، وتذكر أن الزواج مشروع عمر، فاختر من يشرح الله تعالى به صدرك، ثم لا تلتفت بعدها للمقارنات، وأحسن بناء حياتك بما يرضي الله تعالى، مستعينًا به سبحانه أن يلهمك رشدك، ويبصرك الصواب.

وفقك الله تعالى للخيار الأمثل، ورزقك بالزوجة الصالحة.

www.islamweb.net