ابنتي اتخذت موقفاً من جدها وجدتها بسبب تحدثهم عني بالسوء!
2025-09-30 01:59:25 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعيش مع زوجي في أمريكا منذ 10 سنوات في حياة مستقرة، ولدينا ابنتان، أعمارهما 16 و 13 سنة.
في العام الماضي جاء والدا زوجي لزيارتنا، وسمعت ابنتي الصغرى الجدة وهي تتحدث بالسوء عن أهلي في مكالمة هاتفية أثناء غيابي، وتدخلت ابنتي في الكلام، وعندما عدت للمنزل أعلمتُ ابنتي أن هذا الموقف خطأ وحرام، وأن رد فعلها لم يكن سليمًا، وطلبتُ منها الاعتذار للجدة، ولم أواجه الجدة مباشرة.
هذا العام جاء والدا زوجي مرة أخرى لزيارتنا، وخلال غيابي تحدثوا بالسوء عني وعن أهلي مرة أخرى، وكانت ابنتي الكبرى موجودة بالمنزل، واشترك الجد هذه المرة في الحديث، مع العلم أن والديّ متوفيان، ولم تحدث أي مشاكل بين العائلتين من قبل، وهم يعاملونني كابنة لهم، ويتحدثون عن أهلي بكل خير أمامي وأمام الأصدقاء.
الآن، ابنتي ترفض الكلام معهم أو حتى إلقاء السلام؛ بدعوى أن ما حدث هو نفاق، وهذا يحرج والديها ويحزنهم، وهي تريد أن يعترفوا بخطئهم ويعتذروا، بينما أنا لا أرغب في المواجهة؛ احترامًا وتقديرًا لزوجي، وعندما أحاول الحديث معها عن احترامهم؛ لأنهم في بيتنا، وأن الجميع يخطئ ويجب أن نسامح، ترفض وتقول: إن هذا خلط بين الدين والثقافة، فاقترحتُ أن نستشير متخصصًا في الدين ونلتزم برأيه.
السؤال الأول: هل هذا الإجراء مناسب؟
السؤال الثاني: ابنتي مصدومة من الجد، لأنه الأقرب لها، وهذه أول مرة يحدث منه شيء كهذا، كيف يمكن تغيير صورتها تجاهه؟
السؤال الثالث: تحدثت مع زوجي بهدوء، وأخبرته أنني لا أقبل هذا الموقف، لكنني سأعامل والديه بما يرضي الله، ولكن في حدود، فما هو واجبي تجاههم؟ وما الطريقة المناسبة للتعامل معهم؟ علمًا أن علاقة زوجي بأهلي جيدة، ويعلم تمامًا أن ما قيل كان كذبًا وافتراءً.
شكرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مروة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلًا بك -أيتها الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يبارك فيك وفي أولادك، ويجعل هذا الخلق في ميزان حسناتك، واسمحي لنا أن نضع الجواب في نقاط:
أولاً: ما صدر من الجد والجدة غيبة وافتراء، لا يخفى على أحد أنه خطأ، وقد نهى الله تعالى عنه صراحة فقال: «وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ» غير أن التعامل مع هذا الخطأ يحتاج إلى حكمة وعقل راجح، فالمواجهة المباشرة قد تفتح أبواب قطيعة وبغضاء، بينما المطلوب ستر الزلة، وحفظ حرمة الكبار، وتقديم الإصلاح على الانتقام، يقول الله عز وجل:«فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ» وهنا نتذكر أننا لسنا أهل عصمة، فالخطأ وارد من كل إنسان، واللسان قد يزل، والقلب قد يغفل، ولكن العبرة بخاتمة الأمر وغلبة الخير، قال النبي ﷺ: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» وعليه فالتغافل هنا هو عين الحكمة.
ثانيًا: من الطبيعي أن تُصدم البنت حين ترى أحب الناس إليها يقع في زلة لم تعهدها منه، خاصة وهي لا تزال طفلة تحكمها البراءة، لكن مهمتك أن تظهري لها أن ما حدث خطأ، وأن هذا الخطأ جزء من طبيعة البشر؛ لكنه يُغتفر لكبير السن، أو لمن له حسنات ومواقف جميلة معنا، ثم ذكّريها بصفات أهل الجنة التي وردت في القرآن في قول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} من هم يا رب؟ قال سبحانه: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} فبيَّن القرآن أن من صفات أهل الجنة العفو عن المخطئ، ثم أكمل الله صفات أهل الجنة فقال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} والفاحشة من الفُحش وهو: كل ما قبح من قولٍ أو فعلٍ، وهذا يعني أن أهل الجنة ليسوا معصومين، بل تقع منهم الأخطاء، ويجب علينا مسامحتهم.
وذكِّريها كذلك بأن من عُدَّت سيئاته من بين حسناته الكثيرة بان فضله، فالجدّ له رصيد من الخير والعطاء والود، لا ينبغي أن يُمحى بزلَّةِ لسان، والعبرة ليست بموقفٍ واحد عابر، وإنما العبرة بالمسيرة الكاملة، وكما ورد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "أحبوا الرجال على قدر فضائلهم، وتجاوزوا لهم عن زلاتهم"، وقيل: "تجافوا لذوي الهيئات عن زلاتهم" وزلاّتهم لا تكون ديدنًا لهم، إنما يعتريهم الذّنب الفينة بعد الفينة، فالواجب أن نُعلِّم ابنتنا أن ترى الصورة الكاملة، نعم وقع خطأ مؤلم، لكن ميزان المسلم هو أن يغلب خير المرء على شره، وأن الزلة لا تزيل المعروف كله.
ثالثًا: الزواج ميثاق غليظ، ومن أعظم مقاصده أن تسود الرحمة والستر، ومن تمام هذا أن يُكرم المرء أهل زوجته، ويعاملهم بالمعروف، ولو بدر منهم تقصير أو إساءة، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، والمعاشرة بالمعروف تشمل الزوج وأهله، كما تشمل الزوجة وأهلها.
رابعًا: واجب الزوجة هنا أن تغلب الإحسان والاحترام: إكرامًا لزوجها، وصونًا للأسرة، والتماسًا للأجر من الله تعالى، أمَّا القطيعة أو الجفاء الظاهر، فليست من هدي المؤمن، بل التلطف مع الحفاظ على الكرامة، والإحسان دون تنازل عن الحق، ومن جميل ما ورد عن النبي ﷺ: «مَنْ لَا يَشْكُرِ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ الله» فالاعتراف بخيرهم وإكرامهم لا يمنع من غض الطرف عن زلاتهم.
خامسًا: الموقف كله يُذكّرنا بأن العصمة لله وحده، وأن البشر خطّاؤون، لكن الفضل لمن غلب خيره على شره، والواجب أن نزن المواقف بميزان الرحمة والإنصاف، لا بميزان الغضب والانفعال، وأن من الحكمة ستر الزلة، وتقديم الإصلاح على الخصام، وقد لخّص القرآن هذا المعنى، في قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} فالعفو ليس ضعفاً، بل حظ عظيم من الله، والصفح ليس تنازلاً، بل رفعة في الدنيا والآخرة.
نسأل الله أن يحفظكم، وأن يرعاكم، والله الموفق.