أمر بضائقة مالية والجميع تخلى عني حتى أسرتي!
2025-10-02 02:05:26 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو منكم المساعدة، فأنا في ضيق وحيرة من أمري، ولا أدري إن كان ما أمرّ به ابتلاءً أم عقابًا من الله.
أنا شاب أعزب، في السابعة والعشرين من عمري، أعاني منذ سنة ونصف من انقطاع في الرزق، ولا أصادف في طريقي شيئاً غير الخسائر والأمور التي تحزن، رغم أخذي بكل الأسباب من دعاء، وقيام ليل، وصدقات، وبحث عن الفرص، وصلاة استخارة.
كنت موظفًا وأعيش في حي شعبي، وقد اشتريت سيارة أذهب بها إلى العمل، وكنت أحافظ على مظهري وهندامي؛ هذا الحال كان حديثا للجيران، وفي بعض الأحيان كنت أسمع الكلام في وجهي، أشك أن للعين والحسد نصيباً في ما أنا عليه؛ لأني كنت قليلا ما أذكر الله، لكنني كنت أيضًا أرتكب بعض المعاصي كالزنا وشرب الخمر وتعاطي المخدرات، وبعد ذلك قررت أن أغيّر وظيفتي طمعًا في زيادة الراتب؛ لأتمكن من الزواج وأتوب إلى الله، فإذا بي وجدت نفسي في هذا الحال من العسر.
كنت منقطعًا عن الصلاة، لكن ولله الحمد تمسكت بها منذ حوالي سنة، ونتيجة لهذه الأزمة اضطررت لبيع سيارتي، ودار الحول على المال الذي أخذته من بيع السيارة فوجبت فيه الزكاة، كنت أنوِ إخراجها حالماً تتحسن أحوالي، لكن لخوفي من الله أخرجتها رغم ذلك، مع تأخير يقارب شهرًا.
تخلّى عني الجميع من قريب وبعيد، بعدما كنت دائمًا أساعد الناس، وأبحث لمعارفي العاطلين عن فرص عمل مناسبة، وأصبحت أعيش في عزلة يسيطر علي فيها شعور بالخذلان، حتى من أسرتي، إذ سبق لهم أن آزَروا أخي الأكبر ودعموه ماديًا ومعنويًا، وقاموا معه من -الألف إلى الياء- عندما كان في سني.
أما أنا حاليًا في قطيعة تامة مع أخي؛ لأنه لا يَكِنّ لي الاحترام، كما أنني أرى أنه أخذ نصيبي من الحنان، ونال ما لم أنله من والديّ في محنتي هذه، ولا أجد منه أي خير، رغم أنه قادر على أن يعرض عليّ العمل معه في مجاله، ورغم أنني كنت أُكِنّ له المودة وأُسانده في محنه على قدر استطاعتي.
أرجو منكم إجابة شافية، وأسأل الله أن يوفقكم ويغفر لي ولكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أيمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قبل كل شيء أهنئك بالتوبة إلى الله تعالى، واتصالك مع الله بالصلاة والتوبة بعد الانقطاع، فنسأل الله لك الثبات، وما ذكرته من تفاصيل تحتاج إلى أجوبة فستكون كالآتي:
أولاً: الإنسان قد يصاب بالضيق في الرزق، وتمر به أحوال ضيقة، وأزمات مالية، فليس هذا انقطاع الرزق، فانقطاع الرزق لا يكون إلا بالموت كما قال رسول الله صلى الله وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها على الله، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) صحيح الترغيب.
ثانياً: حين ذكرت المصاعب التي في طريقك مع بذلك الصدقة والخير هو نوع من الابتلاء، وسؤالك الأول في مرور ظروف مالية صعبة، فسألت هل ما أمر به ابتلاء أم عقاب من الله تعالى؟
فأقول كون الذي أصابك ابتلاء أم عقوبة لا يمكن الجزم في ذلك؛ لأنه من الغيب، وليس معرفته بالأهمية الكبرى، فسواء كانت عقوبة أو ابتلاء في الحالين عليك بالصبر ولزوم الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى.
ثالثا: وأما مسألة العين؛ فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العين حق) متفق عليه. ولذلك من أجل تجنب آثار عين الحاسد يقول رسول الله صلى الله وسلم: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود عليها) صححه الألباني. وارقِ نفسك: فتقرأ الفاتحة سبع مرات، وكذلك المحافظة على أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم، وقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين.
رابعاً: أحسنت في التفكير في الزواج والتوبة إلى الله تعالى؛ فإن الزواج بداية السلوك المستقيم؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله وسلم: (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الباقي) أخرجه البيهقي.
خامساً: ما ذكرته في أنك كنت سابقاً منقطعاً عن الصلاة، وأنك حافظت عليها منذ سنة؛ فلابد أن تعلم أن الصلاة عماد الدين، وأنها الصلة العظيمة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى، وأن تارك الصلاة معرض لسخط الله تعالى ولعقوبات عظيمة، ولو لم يكن إلا كفره بالله، قال رسول الله صلى الله وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه أحمد، وما دمت تبت إلى الله تعالى وبدأت تحافظ على الصلاة فأكثر من النوافل، فقد مضى من عمرك سنين وأنت منقطع عن الصلاة، و"أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة؛ فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله" صححه الألباني.
سادساً: أحسنت في إخراج زكاة المال؛ فهذا هو المطلوب والواجب شرعاً؛ لأن الزكاة ركن من أركان الإسلام.
سابعاً: تخلي الأسرة عنك، وأيضاً مقاطعة أخيك لك، وكونه لا يكن لك الاحترام؛ هذه المشاكل مع أسرتك ومع أخيك أصلِحها بإصلاح علاقتك بالله؛ فإنما عليك أن تصلح ما بينك وبين الله تعالى، وعندها سيُصلح الله تعالى ما بينك وبينهم -الخلق والأسرة-، ولعلّ أسرتك غاضبة عليك من أفعالك سابقاً من ترك الصلاة وارتكاب الزنا وشرب الخمر والمخدرات، ولاسيما بالذات المخدرات؛ ولذلك وجدت علاقتهم بك سيئة؛ فأصلح أحوالك، وأنت قد تبت إلى الله تعالى، وعليك بمفتاح الخير في أسرتك الوالدين فبرهما، واجلس معهما حتى تصلح الأمور، وحاول أن تصلح علاقتك بأخيك، ولو أن يتدخل الولدان للصلح بينكما فسيكون خيراً كثيراً، أما أخوك وإن كان قد قطع علاقاته بك فابدأه بالسلام، وفي الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، فبالصلة والبر والإحسان تنل الخير، واجلس مع أخيك مع الكلمة الطيبة فهي صدقة، وما ذكرته عن معروفك وإحسانك للناس والتعاون معهم فلن يضيع عند الله سبحانه وتعالى.
ثامناً: ذكرت أنك كنت قد ارتكبت بعض المعاصي كالزنا وشرب الخمر وتعاطي المخدرات؛ فهذه يا أخي من كبائر الذنوب المهلكة، قال الله تعالى في الزنا وعقوبته (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) [سورة الفرقان] وكذلك شرب الخمر، ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار) رواه مسلم.
وأما المخدرات؛ فهي المهلكة العظمى، والتي تستوجب عقوبة من الله أولاً ثم عقوبة من القانون؛ لأن تأثيرها على المجتمع عظيم، وأهم شيء في ذلك هو التوبة الصادقة النصوح إلى الله تعالى، فمن تاب؛ تاب الله عليه، ولكن لابد أن تعلم أن شروط التوبة النصوح ثلاثة: أن تقلع عن المعصية، وأن تندم عليها، وأن تعزم ألا تعود إليها؛ فإذا فقد شرط من هذه الشروط لن تكن توبة صادقة أو نصوحاً.
فلابد أن تتوب إلى الله توبة صادقة نصوحاً، والحمد لله أنك تبت إلى الله وأقبلت على الأعمال الصالحة، نسأل الله لك الثبات، وأن يفرج همك، ويصلح ما بينك وبين أسرتك وأخيك، اللهم آمين.