بحثت عن عمل ولم أجد، فهل هو عقاب من الله تعالى؟

2025-10-05 02:10:59 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم

أنا حاليًا مقيم في إسبانيا، كمهاجر بدون أوراق، وأنتظر مرور سنة، حتى أتمكن من تسوية وضعي، أعاني من ضيق شديد في الرزق، وأبحث عن عمل، وأتحدث مع عدة أشخاص، ولكن دون جدوى، أدعو الله كل يوم أن يرزقني، وأحافظ على أذكار المساء والصباح، وأذكار النوم، وأقرأ يوميًا حزبين من القرآن، وحزبًا من سورة البقرة.

لا أرى بصيص نور في هذا الظلام، موعد سداد الإيجار اقترب، وأنا بلا عمل، ولا أملك حتى ما أشتري به الطعام، ينتابني أحيانًا شعور بأن ما يحدث لي ربما هو خير من الله، ولكن كيف يكون الخير بهذا الشكل؟ لا عمل، ولا طعام، ولا حتى قدرة على دفع الإيجار، والبيت الذي أعيش فيه نفسه بلاء، إذ يقيم فيه أشخاص سيئون ومبتلون، -عافانا الله وإياكم-.

هل ما أمرّ به هو عقاب من الله؟ أم سخط منه عليّ؟ أم ماذا؟


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الجبار حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يحفظك، وأن يرعاك، وأن يقضي حاجتك، إنه جواد كريم.

الأخ الكريم: لا يخفاك أن الابتلاء سُنّة ماضية لحكمة يعلمها الله تعالى، فلا يقع في الأرض ولا في حياة العباد شيء عبثاً، بل هو بقدر من الله ولطفٍ منه، قال سبحانه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، والبلاء ليس مخصوصًا بأهل المعاصي، فقد يبتلي الله الصالح لرفع منزلة، بل ثبت أن النبي ﷺ قال: «أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيُبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رِقّة ابتُلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» فإذا كان أشد الناس بلاء، فما بالك بغيرهم؟.

الناس يتفاوتون في ابتلاءاتهم، وبعض البلاء أشد من بعض، فأنت –على ما فيك من ضيق في الرزق، وانتظار لتسوية وضعك–؛ ما زلت شاباً في منتصف العشرين، معك صحتك وقوة شبابك، وتستطيع السعي وطلب الرزق، لكن في المقابل هناك من هو أصغر منك سنّاً، فقد أهله في حرب طاحنة، يفترش الأرض ويلتحف السماء، وهناك من أُصيب بالسرطان، يبيت على ألم، ويصبح على أمل لا يكاد يتحقق، وهناك من ابتُلي بمرض الكلى، يغسل ثلاث مرات في الأسبوع، وتتعبه الأيام الباقية، وأقصى أمانيه أن يمرّ عليه يوم واحد بلا ألم.

فإذا نظرت إلى حالك بجانب هؤلاء، وجدت أن ما أنت فيه –رغم شدته– أهون مما يعانيه غيرك، وأنك في نعم يتمنّاها غيرك: نعمة الشباب، ونعمة الصحة، ونعمة أن قلبك عامر بذكر الله ولسانك رطب بالقرآن، ونعمة أنك تستطيع أن تنهض كل يوم لتبحث وتسعى.

ثانيًا: هل هذا عقاب أم ابتلاء؟
لا نستطيع أن نحكم يقيناً بأنه "عقاب" أو "سخط"؛ فقد يخبرنا الشرع أن ما يَمُرّ به المؤمن من أذى قد يكون ابتلاءً، امتحاناً، أو تكفيراً للذّنوب، أو تذكيراً ليرجع إلى الله، قال النبي ﷺ: «ما يصيب المؤمن من وَصَبٍ ولا نصب ولا غمّ ولا همّ ولا حزن إلَّا كفّر الله به من خطاياه»؛ لذا فالواجب عليك عدم التفكير في مثل هذه الأفكار، والنظر فيما يجب عليك فعله حتى تفعل ما عليك.

ونحن ننصحك بما يلي:
1- وسّع دائرة معارفك: ابحث عن المساجد والمراكز الإسلامية في مدينتك، فالمسجد مجتمع من الإخوة، يمكن أن يفتح لك أبواب عمل، أو يرشدك على أشخاص يساعدونك في البحث عن فرص.

2- استمر في العبادة: الصلاة في وقتها، أذكار الصباح والمساء، وقراءة ما تطيق من القرآن، هذه الأعمال تقوي قلبك، وتمنحك طمأنينة وسط الضيق، وتزيدك ثباتاً.

3- اجعل دعاءك مقروناً بالعمل: ادعُ الله كثيراً، لكن لا تترك الأخذ بالأسباب، اسعَ في أي عمل حلال، ولو كان بسيطاً؛ فإن الرزق يأتي غالباً من أبواب لم نتوقعها، وقد قال ﷺ: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً» [رواه الترمذي].

4- تعلّم اللغة الإسبانية بجدّ: فاللغة هي المفتاح للتعايش في المجتمع، وباب رئيسي لفرص العمل؛ لذا خصّص وقتاً يومياً للتعلم: عبر تطبيقات على الهاتف، أو مجموعات تعليم مجانية في المساجد أو المراكز الثقافية، أو من خلال الاختلاط بأهل البلد، وكلما تقدمت في اللغة، اتسعت أمامك الأبواب.

5- قلّل النفقات قدر المستطاع: رتّب أولوياتك على الضروري فقط، طعام أساسي، سكن، ومواصلات.

6- ابحث عن عمل يومي أو موسمي، لا تحتقر أي عمل: في البناء، الفلاحة، التنظيف، المطاعم، أو خدمات التوصيل؛ فالعمل البسيط اليوم يفتح لك فرصاً أكبر غداً.

7- اجعل يومك منظماً، بعد الفجر: أذكار وصلاة، ثم ساعة تعلم للغة، أو بحث عن عمل، في النهار: مراسلات أو جولات للسؤال، في الليل: أذكار المساء وصلاة القيام، التنظيم يمنع اليأس، ويجعل حياتك تسير بخطوات واضحة.

وبعد أن تأخذ بكل الأسباب، ثق بأن ما قدره الله لك هو الخير، واعلم أن لله حكمة في كل شيء، فاجتهد وابذل ما عليك، وسيجعل الله بعد العسر يسرًا.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.

www.islamweb.net