النكاح دون ولي بموافقة الحاكم

28-4-2004 | إسلام ويب

السؤال:
أنا فتاة، لم يتقدم لخطبتي إلا رجل كفء من خارج عائلتي، وقد سعيت جهدًا للحصول على موافقة أبي رغبةً في الزواج الشرعي، فكان يعدني بالخير، حتى إنه قال إنه سيوافق إن سافرت معه لإكمال دراستنا العليا. وبالفعل سافرتُ، ووجدت نفسي في الغربة معه، حيث كنت مقيمة وهو يدرس بنظام جزئي، فلم يكن أمامنا سوى الزواج الشرعي في المملكة المتحدة وتوثيقه من سفارة بلدنا، وقد تم ذلك بحمد الله.
لكن حين أردت فيما بعد الحصول على عقد زواج رسمي من بلدي لتأكيد العقد الشرعي، قررت تأجيل الأمر بسبب ظروفي النفسية. ثم تقدمت بطلب لاحقًا، لكن بسبب أحداث حرب الخليج وخوفي على أهلي انسحبتُ من الطلب، خاصة تحت ضغطهم الشديد علي وتهديداتهم. وقد أصبت إثر ذلك بانهيار عصبي، جعلني أرجو زوجي أن يفعل أي شيء لتهدئة الموقف، فكتب ورقة أمام أبي وأخي بأنه يطلقني، من غير قصد ولا نية للطلاق، وإنما لتخفيف ما أعانيه. ثم اتصل بي في اليوم نفسه، وقال: إن كنتِ تعتبرين هذا طلاقًا، فقد أرجعتكِ إلى عصمتي، ونيتي ألا أطلقك أبدًا.
بعد ذلك رفعت دعوى لإثبات نفاذ زواجنا في بلدي، وقد تم بحمد الله. ومنذ عودتي في أغسطس الماضي، وأنا مقيمة في بيت أبي، بانتظار أن يلين قلبه ويقبل بزواجي، لكن دون جدوى، حتى اضطررت للعيش في سكن جامعي مستقل.
والآن أبي يتهم زواجي بالبطلان، بحجة أن العقد تم بولاية قاضٍ شرعي في المملكة المتحدة بصفته مسؤولًا عن المسلمين هناك. وهو يحتج بأنني وفقًا للمذهب الحنفي وبعض الشافعية لي الحق في تزويج نفسي، علمًا أنني راشدة وأبلغ من العمر 33 عامًا.
فهل يعتبر عقد زواجي هذا باطلًا؟ وهل يقع الطلاق الذي جرى بورقة دون نية؟ وإذا لم يقع الطلاق، أليس من حقي أن أعيش مع زوجي؟ وهل يجوز لأبي أن يمنعني من زوجي فقط لأنه لا يعجبه أصله، رغم صلاحه الذي يشهد به الجميع؟

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم أن كل نكاح وقع بدون ولي فهو باطل؛ بدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل. كما في المستدرك وصحيح ابن حبان، وفي صحيح ابن حبان -أيضاً- عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل. إلا أن يثبت عضل الولي لها، وحينئذ فهي كفاقدة الولي، والسلطان ولي من لا ولي له.

وذهب أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- إلى أن للمرأة أن تزوج نفسها وغيرها وتوكل في النكاح، لأن الله تعالى قال: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:232].

أضاف النكاح إليهن، ونهى عن منعهن، ولأنه خالص حقها وهي من أهل المباشرة، فصح منها، واستدل الجمهور بالحديثين المتقدمين، ويفسخ النكاح بلا ولي قبل الدخول وبعده عند الجمهور ولا يترتب عليه حد لشبهة العقد والحدود تدرأ بالشبهات، ويلحق فيه الولد أيضاً نظراً للعقد هذا إذا تولى هذا العقد المذكور غير الحاكم أو نائبه، فإذا تولاه الحاكم أو نائبه فإنه لا ينقض.

وعليه؛ فإن العقد المذكور إن صح أنه وقع عند قاض من قضاة المسلمين وشهود، فإنه صحيح ولا يفسخ، قال ابن قدامة في المغني بعد أن ذكر أن النكاح لا يصح إلا بولي قال: فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم أو كان المتولي لعقده حاكما لم يجز نقضه وكذا سائر الأنكحة الفاسدة. اهـ.

وقال في المهذب: فإن عقد النكاح بغير ولي وحكم به الحاكم ففيه وجهان:
أحدهما: أنه ينقص حكمه لأنه مخالف لنص الخبر -يعني حديث عائشة المتقدم-.
الثاني: أنه لا ينقض وهو الصحيح لأنه مختلف فيه
. اهـ.

وقال خليل بن إسحاق المالكي في مختصره: ونقل ملك وفسخ عقد وتقرر نكاح بلا ولي حكم أي فيرتفع به الخلاف إن وقع ممن يراه، ولا شك أن القاضي الذي وقع عنده هذا العقد لا بد أن يكون مستنداً على مذهب أبي حنيفة في هذا الحكم هذا مع ما يخشى من الفساد على هذه الفتاة المصاحبة لرجل أجنبي تريده ويريدها. اهـ.

وقال الشيخ أحمد الدردير في حاشيته على مختصر خليل بن إسحاق المالكي عند قوله (وفسخ تزويج حاكم أو غيره ابنته في كعشر) قال: وهذا إذا كانت النفقة جارية عليها ولم يخش عليها الفساد وكانت الطريق مأمونة وإلا زوجها القاضي، ومحل الشاهد قوله: ولم يخش عليها الفساد. اهـ.

وقال الدسوقي معلقاً على كلام الدردير: فعلم من هذا أن الصغيرة غير اليتيمة تزوج إذا خيفت عليها الضيعة أو عدمت النفقة، وأنه يزوجها الحاكم لا وليها. انتهى كلامه. 

أما الطلاق؛ فإنه واقع، ولكن الرجعة صحيحة، لأنها جاءت في محلها، وأما الأب فإنه لا ينبغي له أن يحول بينك وبين زوجك بحجة أنه لا يعجبه أصله، فإن الكفاءة الدين، لاسيما وأنه لا فائدة من ممانعته بعد أن حصل ما حصل. 

والله أعلم.

www.islamweb.net