مذاهب العلماء في المضاربة على المهن الحرفية

6-10-2025 | إسلام ويب

السؤال:
أنا شخصٌ صاحبُ حِرْفةٍ. أعمل حاليًا موظفًا في مكانٍ، وأتقاضى عليه راتبًا ثابتًا.
هناك شخصٌ يعرض عليَّ شراكةً، بحيث يوفِّر هو رأس المال، وأشارك أنا بخبرتي في الحرفة، على أن يعطيني راتبًا أصرف منه على أهلي، وعند البيع آخذ نسبةً من الربح.
فهل هذا حلال؟ وإن كان حرامًا، فهل هناك وجهٌ حلال لهذه الشراكة؟ نفع الله بكم.

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم يتضح المقصود بمشاركة السائل بحرفته مع صاحب رأس المال، لكن إن كان المراد أن صاحب المال يدفع إليك المال على أن تعمل فيه بيدك -كخياطة، ومكنيك، وحدادة مثلًا-، ويكون لك نسبة من الربح، فهذا ضرب من المضاربة.

واختلف أهل العلم في هذا النوع من المضاربة، فذهب بعضهم إلى أنه لا تصح المضاربة على المهن الحرفية، بأن يصنع المضارب شيئًا ويبيعه. وهذا مذهب المالكية والشافعية. 

قال ابن شاس في «مذهب عالم المدينة» في بيان شرط العمل في المضاربة: أن تكون ‌تجارة ‌غير ‌مضيقة بالتعيين أو التأقيب. احترزنا بالتجارة عن الطبخ والخبز والحرف، فإن عقد القراض على أن يعمل العامل بيده في السلع كصياغة الفضة، أو خرز الجلود (خفافاً)، أو (نحوها)، فذلك فاسد، والتجارة هي الاسترباح بالبيع والشراء، لا بالحرفة والصناعة. اهـ. 

وقال النووي في «منهاج الطالبين»: وظيفة العامل التجارة وتوابعها -كنشر الثياب وطيها-، فلو ‌قارضه ‌ليشتري ‌حنطة فيطحن ويخبز، أو غزلًا ينسجه ويبيعه، فسد القراض. اهـ. 

وقال الخطيب الشربيني في شرحه «مغني المحتاج»: خرج بالتجارة استخراج العامل ‌الربح ‌باحتراف ... (فسد القراض) في الصورتين؛ لأن القراض شرع رخصة للحاجة، وهذه الأعمال مضبوطة يمكن الاستئجار عليها، فلم تشملها الرخصة، والعامل فيها ليس متجرًا، بل محترفًا، فليست من وظيفة العامل. اهـ. 

وقد أجاز ذلك الحنفية، قال محمد بن الحسن في «الأصل»: إذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة على أن يشتري بها ‌الثياب، ‌ويقطعها ‌بيده، ‌ويخيطها على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما نصفان، فهو جائز على ما اشترطا.
وكذلك لو دفع إليه مالاً مضاربة على أن يشتري بها الجلود والأَدَم وَيخْرِزها خِفافا ودِلاء ورَوَايا بيده وأُجَرَائِه، على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء، فهو بينهما نصفان، فهذا جائز على ما اشترطا
. اهـ. 

ولا يصح عند الجميع أن يشترط المضارب لنفسه مبلغًا معلومًا مع نسبته من الربح.

قال ابن المنذر في (الإشراف على مذاهب العلماء): أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض الذي يشترط أحدهما، أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة. وممن حفظنا ذلك عنه: مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. اهـ. 

وقد سبق لنا تعليل ابن قدامة لفساد هذا الشرط في المضاربة، فراجع الفتوى: 367945

لكن إذا ألغيت شرط الراتب، فتصح المضاربة على مذهب الحنفية، ويمكن أن تتفق مع صاحب رأس المال أن يكون ما تأخذه تحت الحساب، ثم عند تقسيم الربح ينظر في ما أخذت، فإن كان زائدًا على نسبتك دفعته إلى شريكك.

وثمت صورة بديلة جائزة، وهي: أن يشتري صاحب المال آلة الحرفة ومستلزماتها، ثم يدفع ذلك إليك لتعمل فيها بنسبة من الربح، فمثل هذه المعاملة تصح عند الحنابلة.

قال ابن قدامة في (المغني): وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصانًا ليبيعها وله نصف ربحها بحق عمله جاز، نص عليه في رواية حرب، وإن دفع غزلًا إلى رجل ينسجه ثوبًا بثلث ثمنه أو ربعه جاز، نص عليه، أو دفع ثوبًا إلى من يخيطه، أو غزلاً إلى من ينسجه بجزء منه مشاع معلوم جاز، نص عليه. ولم يجز مالك وأبو حنيفة والشافعي شيئًا من ذلك. اهـ.

ويُشكِل على هذا قول السائل: (على أن يعطيني راتبًا أصرف منه على أهلي، وعند البيع آخذ نسبةً من الربح). فإن كان هذا الراتب جزءًا من الأجرة -كما هو ظاهر- فهذا لا يصح حتى على مذهب الحنابلة، والمخرج عندهم أن تزاد للعامل نسبته من الربح بحيث تغطي نفقاته.

وعندهم رواية أخرى -ليست هي المذهب- بجواز ذلك، وهو مذهب ابن سيرين، والنخعي، والزهري، وأيوب، ويعلى بن حكيم.

قال ابن قدامة في «المغني» إكمالا لكلامه السابق: وإن جعل له مع ذلك دراهم معلومة، لم يجز. نص عليه. وعنه الجواز. والصحيح الأول ...
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: لا بأس بالثوب يدفع بالثلث والربع. وسئل عن الرجل يعطي الثوب بالثلث ودرهم ودرهمين؟ قال: أكرهه؛ لأن هذا شيء لا يعرف. والثلث إذا لم يكن معه شيء نراه جائزًا؛ لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر. قيل لأبي عبد الله: فإن كان النساج لا يرضى حتى يزاد على الثلث درهما؟ قال: فليجعل له ثلثا وعشري ثلث ونصف عشر وما أشبه.
وروى الأثرم، عن ابن سيرين، والنخعي، والزهري، وأيوب، ويعلى بن حكيم، أنهم أجازوا ذلك
. اهـ.

وعلى هذا؛ فلو أتى صاحب المال بالخامات وما يلزم للصنعة، ودفعها للسائل على أن يعمل فيها ويبيعها بجزء مشاع معلوم من ربحها. جاز على مذهب الحنابلة.

وأما إن جمع بين الربح وراتب معلوم، فهذا لا يصح على المذاهب الأربعة المعتمدة، ويصح على رواية عند الحنابلة توافق ما ذهب إليه جماعة من فقهاء السلف.

والله أعلم.

www.islamweb.net