ثم أمره أن يخاطب كفار مكة بقوله: قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون
قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق يعني: ما خلق وأنشأ، فجعلتم منه حراما وحلالا يعني: ما حرموا من الحرث والأنعام لآلهتهم، قل آلله أذن لكم في هذا التحريم والتحليل، أم على الله تفترون بل تقولون على الله الكذب وذلك أنهم كانوا يقولون: الله أمرنا بها.
قوله: وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة قال وما ظن الذين يتقولون على الله الكذب، بأن الله أمرهم بتحريم ما حرموا يوم القيامة إذا لقوه. مقاتل:
إن الله لذو فضل على الناس حين لم يعجل بعقوبة افترائهم، ولكن أكثرهم لا يشكرون تأخير العذاب عنهم.
قوله: وما تكون في شأن قال الحسن:
[ ص: 552 ] في شأن من شأن الدنيا وحوائجك فيها.
وما تتلو منه أي: من الله تعالى، أي: نازل منه من قرآن والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأمته داخلون في هذا الخطاب لأن خطاب الرئيس خطاب له ولأتباعه يدل على هذا قوله: ولا تعملون من عمل قال جمع في هذا ليدل على أنهم داخلون في الفعلين الأولين. ابن الأنباري:
إلا كنا عليكم شهودا قال يقول: الله شاهد على كل شيء. الفراء:
والمعنى: إلا نعلمه فنجازيكم به، إذ تفيضون فيه الإفاضة: الدخول في العمل، قال إذ تندفعون فيه. ابن الأنباري:
وقال إذ تأخذون فيه. ابن عباس:
وما يعزب عن ربك والعزوب: البعد والذهاب، يقال: عزب عنه الشيء.
إذا غاب وذهب، من مثقال ذرة أي: وزن ذرة، ومثقال الشيء ما وازنه، والذر صغار النمل، الواحدة ذرة، في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر قال من نصبها فإنما يريد الخفض، يتبعها المثقال والذرة، ومن رفعها أتبعها معنى المثقال لأنك لو ألقيت من المثقال من كان رفعا، وهو كقولك: ما أتاني أحد عاقل، وكذلك قوله: الفراء: ما لكم من إله غيره ، وغيره، إلا في كتاب مبين قال يريد: اللوح المحفوظ. ابن عباس:
قوله: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون :
أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، نا عبد الله بن عمر، نا أبو عبد الرحمن، نا عن يحيى بن اليمان، أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن المغيرة، عن عن سعيد بن جبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ابن عباس، ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال: " هم الذين يذكر الله لرؤيتهم ".
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا نا محمد بن جعفر بن هيثم الأنباري، جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ، نا أبو غسان، وعاصم، قالا: حدثنا قيس، نا عن عمارة بن القعقاع، ابن زرعة بن عمرو، عن قال: عمر بن الخطاب،
[ ص: 553 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله تعالى "، فقالوا: يا رسول الله من هم؟ وما أعمالهم؟ لعلنا نحبهم، قال: " قوم تحابوا بروح الله بغير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها بينهم، والله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ قوله: الذين آمنوا وكانوا يتقون قال يريد: الذين صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم وخافوا مقامهم بين يدي الله تعالى. ابن عباس:
قوله: لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة :
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أنا أبو عمرو بن جعفر بن مطر، نا إبراهيم بن علي، نا أنا يحيى بن يحيى، عبد الله بن يحيى ابن أبي كثير، قال: سمعت أبي يقول: نا أبو سلمة، عن أنه عبادة بن الصامت، الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا ما هذه الدنيا؟ قال: " لقد سألتني عن شيء ما سألني أحد من أمتي قبلك هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له ". سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أرأيت قول الله تعالى
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب بن يوسف، نا نا بحر بن نصر، ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن حدثه، عن دراجا أبا السمح عبد الرحمن بن جبير، عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: عبد الله بن عمرو بن العاص، " لهم البشرى في الحياة الدنيا: الرؤيا الصالحة يبشر بها المؤمن، جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، فمن رأى ذلك فليخبر بها، ومن رأى سوى ذلك فإنما هي من الشيطان ليحزنه فلينفث عن يساره ثلاثا وليسكت، ولا يخبر بها أحدا".
وقال عن عطاء، ابن عباس: لهم البشرى في الحياة الدنيا يريد: عند الموت تأتيهم ملائكة الرحمة بالبشرى من الله، وفي الآخرة عند خروج نفس المؤمن يبشر برضوان الله.
وهذا قول قتادة، والضحاك، قالوا: البشارة عند الموت. والزهري،
وقال ما بشر الله عز وجل في كتابه من جنته وكريم ثوابه في قوله: الحسن: وبشر الذين [ ص: 554 ] آمنوا ، وبشر المؤمنين، وأبشروا بالجنة.
وهذا اختيار الفراء، قالا: ويدل على صحة هذا قوله: والزجاج لا تبديل لكلمات الله .
قال لا خلف لمواعيده، وذلك أن مواعيده بكلماته، فإذا لم تبدل كلماته لم تبدل مواعيده. ابن عباس:
قوله تعالى: ولا يحزنك قولهم ولا يحزنك إنكارهم وتكذيبهم وتظاهرهم عليك في العداوة، وتم الكلام ثم ابتدأ فقال: إن العزة لله جميعا أي: الغلبة له، وهو ناصرك وناصر دينك، والمعنى: أنه الذي يعزك حتى تصير أعز ممن ناوأك، هو السميع العليم يسمع قولهم، ويعلم ضميرهم فيجازيهم بما يقتضيه حالهم، ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض أي: إنه يفعل بهم وفيهم ما يشاء، وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء أي: ما يتبعون شركاء على الحقيقة لأنهم يعدونها شركاء لله، شفعاء لهم، وليست على ما يظنون، إن يتبعون إلا الظن يعني: ظنهم أنها تشفع لهم يوم القيامة، وإن هم إلا يخرصون ما هم إلا كاذبون فيما يزعمون.
قوله: هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه أي: ليزول التعب والكلال بالسكون فيه، وجعل النهار مبصرا، مضيئا لتهتدوا به في حوائجكم، إن في ذلك الذي فعل، لآيات لقوم يسمعون سماع اعتبار أنه مما لا يقدر عليه إلا عالم قادر.