قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين
قوله: قد نرى تقلب وجهك في السماء :
أخبرنا أبو منصور المنصوري، أخبرنا علي بن عمر بن مهدي، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدثنا حدثنا أبو هشام [ ص: 229 ] الرفاعي، أخبرنا أبو بكر بن عياش، أبو إسحاق، البراء قال: " صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم علم الله عز وجل هوى نبيه عليه السلام، فنزل: قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية.
فأمره أن يولي إلى الكعبة، ومر علينا رجل، ونحن نصلي إلى بيت المقدس، فقال: الكعبة، فتوجهنا إلى إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد حول إلى الكعبة، ، وقد صلينا ركعتين " رواه عن عن مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، أبي الأحوص، ورواه عن البخاري، عن أبي نعيم زهير كلاهما عن أبي إسحاق قال المفسرون: كانت الكعبة أحب القبلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، ولأنه كره موافقة اليهود، فقال لجبريل: "وددت أن الله تعالى صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها".
فقال جبريل: إنما أنا عبد مثلك، وأنت كريم على ربك، فادع ربك وسله.
ثم ارتفع جبريل، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء، رجاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل ربه، فأنزل الله تعالى: قد نرى تقلب وجهك في السماء أي: في النظر إلى السماء، فلنولينك قبلة ترضاها أي: لنصيرنك تستقبل بوجهك قبلة تحبها وتهواها، فول وجهك أي: أقبل وحول وجهك، شطر المسجد الحرام قصده ونحوه وتلقاءه، وحيث ما كنتم في بر أو بحر، فولوا وجوهكم شطره يعني: عند الصلاة.
[ ص: 230 ] ولما حولت القبلة قالت اليهود: يا محمد، ما أمرت بهذا، وإنما هو شيء من عندك تبتدعه من تلقاء نفسك.
فأنزل الله: وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم أي: إن اليهود عالمون أن المسجد الحرام قبلة إبراهيم وأنه الحق.
وما الله بغافل عما يعملون قال يريد أنكم يا معشر المؤمنين تطلبون مرضاتي، وما أنا بغافل عن ثوابكم وجزائكم، وأن اليهود يطلبون سخطي، وما أنا بغافل عن خزيهم في الدنيا والآخرة. ابن عباس:
قوله: ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك الآية، قال أهل التفسير: إن اليهود والنصارى طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأيأس نبيه صلى الله عليه وسلم عن إيمانهم، وذلك أنهم علموا صدق محمد صلى الله عليه وسلم بما كانوا يرونه في كتابهم من صفته ونعته، ولكنهم جحدوا مع تحقق علمهم، وما تغني الآيات والنذر عند من يجحد ما يعرف، لذلك قال: ما تبعوا قبلتك .
وقوله: وما أنت بتابع قبلتهم حسم بهذا أطماع اليهود في رجوعه عليه السلام إلى قبلتهم، وما بعضهم يعني: اليهود والنصارى بتابع قبلة بعض أخبر أنهم وإن اتفقوا على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم فهم مختلفون فيما بينهم، فلا اليهود تستقبل المشرق، ولا النصارى تستقبل بيت المقدس.
ولئن اتبعت أهواءهم أي: صليت إلى قبلتهم، من بعد ما جاءك من العلم أن قبلة الله هي الكعبة، إنك إذا لمن الظالمين أي: إنك إذا مثلهم، والخطاب له في الظاهر، وهو في المعنى لأمته.