ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون
[ ص: 115 ] ولما كذب كفار مكة محمدا بالرسالة، أخبر الله محمدا، عليه السلام، أنه أرسله رسولا كما أرسل نوحا، وهودا، وصالحا، ولوطا، وشعيبا، في هذه السورة، فقال: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ، فقال لهم: إني لكم نذير من العذاب في الدنيا، مبين ، يعني بين، نظيرها في سورة نوح.
ثم قال: أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم في الدنيا، عذاب يوم أليم ، يعني وجيع.
فقال الملأ الأشراف الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا ، يعني إلا آدميا مثلنا لا تفضلنا بشيء، وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ، يعني الرذالة من الناس السفلة، بادي الرأي ، يعني بدا لنا أنهم سفلتنا، وما نرى لكم علينا من فضل في ملك ولا مال ولا شيء فنتبعك، يعنون نوحا، بل نظنكم يعني نحسبك من الـ كاذبين حين تزعم أنك رسول نبي.
قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ، يعني بيان من ربي، وآتاني رحمة ، يعني وأعطاني نعمة، من عنده ، وهو الهدى، فعميت عليكم ، يعني فخفيت عليكم الرحمة، أنلزمكموها وأنتم لها ، يعني الرحمة، وهي النعمة والهدى، كارهون . ويا قوم لا أسألكم عليه مالا ، يعني جعلا على الإيمان، إن أجري ، يعني ما جزائي، إلا على الله في الآخرة، وما أنا بطارد الذين آمنوا ، يعني وما أنا بالذي لا أقبل الإيمان من السفلة عندكم، ثم قال: إنهم ملاقو ربهم ، فيجزيهم بإيمانهم، كقوله: إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون ، يعني لو تعلمون إذا لقوه، ولكني أراكم قوما تجهلون ما آمركم به، وما جئت به.
ويا قوم من ينصرني يمنعني من الله إن طردتهم ، يعني إن لم أقبل منهم الإيمان، [ ص: 116 ] أي من السفلة، أفلا ، يعني أفهلا تذكرون أنه لا مانع لأحد من الله.
ولا أقول لكم عندي خزائن الله ، يعني مفاتيح الله بأنه يهدي السفلة دونكم، ولا أعلم الغيب ، يقول: ولا أقول لكم عندي غيب ذلك إن الله يهديهم، وذلك قول نوح في الشعراء: وما علمي بما كانوا يعملون ، ثم قال لهم نوح: ولا أقول لكم إني ملك من الملائكة، إنما أنا بشر، لقولهم: ما نراك إلا بشرا مثلنا إلى آخر الآية.
ولا أقول للذين تزدري أعينكم ، يعني السفلة، لن يؤتيهم الله خيرا ، يعني إيمانا، وإن كانوا عندكم سفلة، الله أعلم بما في أنفسهم ، يعني بما في قلوبهم، يعني السفلة من الإيمان، قال نوح: إني إذا لمن الظالمين إن لم أقبل منهم الإيمان.
قالوا يا نوح قد جادلتنا ، يعني ماريتنا، فأكثرت جدالنا ، يعني مراءنا، فأتنا بما تعدنا من العذاب، إن كنت من الصادقين بأن العذاب نازل بنا، لقوله في هذه الآية الأولى: إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم . وذلك أن الله أمر نوحا أن ينذرهم العذاب في سورة نوح فكذبوه، فقالوا: فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ، بأن العذاب نازل بنا، فرد عليهم نوح: قال إنما يأتيكم به الله إن شاء ، وليس ذلك بيدي، وما أنتم بمعجزين ، يعني بسابقي الله بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها.
ولا ينفعكم نصحي فيما أحذركم من العذاب، إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ، يعني يضلكم عن الهدى، فـ هو ربكم ، ليس له شريك، وإليه ترجعون بعد الموت، فيجزيكم بأعمالكم.
ثم ذكر الله تعالى كفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أهل مكة، فقال: أم يقولون افتراه ، نظيرها في حم الزخرف: أم أنا خير ، يعني بل أنا خير [ ص: 117 ] من هذا الذي هو مهين .
افتراه ، قالوا: محمد يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، وليس من الله، قل إن افتريته ، يعني تقولته من تلقاء نفسي، فعلي إجرامي ، فعلى خطيئتي بافترائي على الله، وأنا بريء مما تجرمون ، يعني بريء من خطاياكم، يعني كفركم بالله عز وجل.