الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                              صفحة جزء
                              الحديث الثالث .

                              باب: شن .

                              حدثنا مسدد، حدثنا حماد، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أسامة: "أتي النبي صلى الله عليه بابنة زينب ونفسها تقعقع كأنها في شنة، فدمعت عينه"   .

                              حدثنا ابن عائشة، حدثنا حماد، عن حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه: "إذا حم أحدكم فليشن عليه الماء"   .

                              حدثنا يوسف بن بهلول، حدثنا ابن إدريس، عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن مسلم بن عبد الله بن خبيب، عن جندب بن مكيث: "بعث رسول الله صلى الله عليه غالبا في سرية وأمره أن يشن الغارة على بني ملوح" .

                              [ ص: 869 ] حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا محمد بن طلحة، حدثنا زبيد، عن عبد الرحمن بن عابس، عن عمرو بن شرحبيل: أحسبه عن عبد الله، قال: "لا تختلفوا في القرآن، فإنه لا يختلف فيه ولا يتشان"   .

                              حدثنا عمرو، أخبرنا شعبة، عن خليد بن جعفر: سئل أنس عن شيب النبي، صلى الله عليه فقال: "ما كان الله تعالى ليشينه بشيء من الشيب"   .

                              حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا شهاب بن خراش، حدثنا شعيب بن زريق، عن الحكم بن حزن الكلفي: "وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه فأمر لنا بشيء من التمر، والشأن إذ ذاك دون" .

                              حدثنا عفان، حدثنا عبد الواحد، عن عاصم بن كليب، وعن أبيه، عن ابن عباس [ ص: 870 ] : " قال عمر حين سألهم عن ليلة القدر: "أعجزتم أن تقولوا مثل ما قال هذا الغلام الذي لم يجتمع شوى رأسه" يعني شؤون رأسه " .

                              حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس: " دعاني عمر لي ولعثمان فإذا صبر من مال فقال: خذا فاقسما، فإن فضل فردا، فأما ابن عفان فحثا، وأما أنا قلت: إن كان نقصان رددت علينا، فقال: "نشنشة من أخشن" .

                              حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا ابن علية، حدثني أيوب المعلم: "لما انهزمنا من مسكن ركبت شنانا من قصب، فإذا الحسن على شاطئ دجلة فأدنيت الشنان فحملته" .

                              [ ص: 871 ] حدثنا أحمد بن منصور، عن رجل، عن أبي المتوكل النخلي، عن كعب: " يوشك أن يرفع، عنكم الطاعون، ويفيض فيكم شنان الشتاء، ثم تأتيكم حتوف لا تدرون ما هي قلت: يا أبا إسحاق، ما شنان الشتاء؟ قال: برده   " قوله: "كأنها في شنة" سمعت أبا نصر يقول: الشن: ما يبس من القرب، وأنشدنا:


                              لو جر شن وسطها لم تجفل من شهوة الماء ورز معضل



                              وأنشدنا الأثرم:


                              كأنك من جمال بني أقيش     يقعقع بين رجليه بشن



                              وقال طفيل:


                              وقفت به أسائله ودمعي     يفيض كأنه شن هزيم

                              .

                              [ ص: 872 ] قال أبو عمرو: وقد شن هذا الجمل من العطش: أي يبس يشن شنونا وشنت قربتكم تشن إذا صارت شنة قوله: "فليشن عليه الماء" الشنين: قطران الماء من الشن قال الأخفش: الصب المتقطع، والسن الصب المتصل المتتابع وكذا قال لي ابن عائشة وقال الأصمعي: الشنان: الماء البارد قال:


                              بماء شنان زعزعت متنه الصبا     وجادت عليه ديمة بعد وابل



                              قوله: "أمرنا أن نشن الغارة" شنوا الخيل في الغارة: إذا بثوها، وشن عليه الدرع إذا صبها عليه قال زهير:


                              فلما تبلج ما حوله     أناخ فشن عليه السليطا



                              قوله: "لا يتشان" : أي يبغض شنئ يشنأ شنئا وقال: إن شانئك هو الأبتر .

                              [ ص: 873 ] حدثنا داود بن رشيد، عن مروان، عن جويبر، عن الضحاك: " شانئك : عدوك " .

                              أخبرنا سلمة، عن الفراء: شانئك : "مبغضك" .

                              أخبرنا الأثرم، عن أبي عبيدة: " شانئك : مبغضك " ومنه: ولا يجرمنكم شنآن قوم كان الحسن وقتادة يقولان: بغض قوم .

                              أخبرنا الأثرم عن أبي عبيدة: " شنآن قوم : بغض قوم "واختلفت القراء في" شنآن "، فحرك بعضهم النون الأولى، وجزمها بعض فكان ممن حركها: قتادة، وأبو عمرو، والأعمش، وحمزة، وابن أبي إسحاق، وعيسى وكان ممن جزم: عاصم، وشيبة، وأبو جعفر، ونافع، والحسن أخبرنا أبو عمر عن الكسائي: يثقل ويخفف من شنئت أشنأ شنآنا وشنوءا وشنأ .

                              [ ص: 874 ] أخبرنا سلمة عن الفراء: إذا كان مصدرا ثقل، فإذا أردت بغيض قوم قلت: شنآن. وأنشدنا الأثرم، عن أبي عبيدة:


                              وما العيش إلا ما يلذ ويشتهى     وإن لام ذو الشنآن فيه وفندا



                              وقال آخر:


                              ومن شانئ كاسف باله     إذا ما انتسبت له أنكرن



                              أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: التشنين: أن تلين أرساغ الفرس حتى تصيب الأرض قوله: "وما كان الله ليشينه بالشيب" الشين " خلاف الزين قال:


                              أرض توارثها شعوب     فكل من حلها محروب
                              إما قتيلا وإما هالكا     والشيب شين لمن يشيب

                              .

                              [ ص: 875 ] قوله: والشأن إذ ذاك دون " الشأن: الخطب الجميع شؤون قوله: "لم يجتمع شؤون رأسه" عن أبي نصر، عن الأصمعي: الشؤون: مواصل القبائل، بين كل قبيلتين شأن، وهي أربع بعضها إلى بعض. قال ابن الأعرابي: وللنساء ثلاثة، والدموع تخرج من الشؤون قال:


                              لا تحزنيني بالفراق فإنني     لا تستهل من الفراق شؤوني



                              وقال آخر:


                              ترى شؤون رأسه العواردا     مضبورة إلى شبا حدائدا



                              ضبر براطيل إلى جلامدا قال أبو عمرو: الشأنان: عرقان من الرأس إلى العين وقال عبيد:


                              عيناك دمعهما سروب     كأن شأنيهما شعيب

                              .

                              [ ص: 876 ] فهذا حجة لأبي عمرو، وإن كان الشؤون واحد شأن مجتمع قبائل الرأس فهي أربعة كما قال الأصمعي، وهي حجة لقوله " لا تستهل من الفراق شؤوني وأما قوله: "شوى رأسي" فالشواة: جلد الرأس وذلك وهم من المحدث، الجلدة مجتمعة، وإنما يجتمع ما هو متفرق وذلك فيما أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: أن اليأفوخ: حيث التقى عظم مقدم الرأس وعظم مؤخره، حيث يكون لينا من الصبي يقال له من الصبي قبل يتلاقى العظمان اللماعة والرماعة، والنمغة فكأن عمر قال: إنه صغير لم يتلاقيا عظما رأسه، وذلك منه على غاية الوصف قوله: "نشنشة" أراد شنشنة، أي غريزة وطبيعة، وقال عقيل بن علفة حين حرجه بنو بنيه:


                              إن بني ضرجوني بالدم     من يلق أبطال الرجال يكلم



                              شنشنة أعرفها من أخزم .

                              [ ص: 877 ] يعني أباهم، فإنه كان فعل به مثل ذلك والشعر لأبي أخزم الطائي قوله: "وافق شنا طبقه" قال الأصمعي: ومثل من الأمثال: وافق شنا طبقه قوم كان لهم وعاء من أدم فتشنن، فجعلوا له طبقا فوافقه ويقال: شن: قبيلة من عبد القيس، وطبق: حي من إياد، واتفقوا على أمر ويقال: كان الحيان رماة فاقتتلوا فقيل ذلك لأن كل واحد منهما وافق شكله ونظيره قوله: "ركبت شنانا من قصب" هو كهيئة الطوف، كلمة فارسية، وهو بالعربية: الأرماث، فيما أخبرني أبو نصر: خشب يشد بعضه إلى بعض ويركب وأما شنان الشتاء: البرد فلم أسمعه إلا في هذا الحديث .

                              [ ص: 878 ]

                              التالي السابق


                              الخدمات العلمية