الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخي يكثر من طلب الدين مني ولا يرده إلا نادرًا، فكيف أنصحه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخي كثيرًا ما يستلف مني المال، ولا يردّ، ولا يسأل، ولا يعتذر، ثم بعد عدة شهور يعيده، ويكرر الأمر نفسه، وفي كل مرة، يكون طلبه من أجل شراء رفاهيات، مثل: هاتف محمول باهظ الثمن، أو جهاز لابتوب، وأحيانًا يشتري أشياء بالتقسيط ثم يطلب مني سداد الأقساط، وهي أيضًا من الكماليات.

وأنا أوافق وأدفع عنه في كل مرة، حرصًا على إرضائه، ومؤخرًا قام بشراء شيء غالي الثمن، وطلب مني أن أسدده عنه، ووعد -كعادته- بأنه سيردّ المبلغ لاحقًا، وفي الوقت نفسه تطلب زوجتي مستحضرات تجميل بقيمة مقاربة لما طلبه أخي، مع العلم أن ظروف أخي المادية ليست جيدة، أما أنا: فظروفي أفضل قليلًا منه.

استفساري: هل أُرضي أخي وأعطيه المال مجددًا، أم ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إسلام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله جل وعلا أن يتقبل منك حرصك على إرضاء أخيك، وتحقيق ما يطلبه، فإن أُخوَّة النسب من أقوى العلاقات، ومعاونة الأخ لأخيه باب من أعظم أبواب صلة الرحم، وفيها من البرّ بالوالدين؛ إذ يحبّان رؤية أبنائهما في تآزرٍ، وتعاضدٍ، وتعاونٍ، وتكامل، ويفرحهما ذلك.

كما نسأل الله أن يبارك لك في مالك الذي تُقرِض منه، وتُعين به مَن طلب منك، فمن نعمة الله على العبد أن يجعل يده مبسوطة ويقرض من يحتاج، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أقرض مسلمًا قرضًا مرتين كان كصدقته مرة".

أمّا عن الجواب المجمل على سؤالك: هل مُراضاةُ أخيك بإعطائه المال أفضل أم لا؟ بناءً على ما ذكرتَ من تفاصيل، من أن هذا المال يُؤخذ ولا يُرَد، ويصرف في الكماليات والرفاهيات، فلا يلزمك أن تقرضه من مالك لمراضاته، بل ربما من الأفضل ألا تقرضه في بعض الحالات، إعانةً وتربية له؛ كي لا يعتاد على الاقتراض في الكماليات، ويمكنك أن تحقق مراضاته بغير المال، من الكلام والتعامل الحسن.

وهذه بعض النقاط المكمِّلة التي قد تفيد في تفاصيل ما سألت عنه:
من المؤلم لنفس الإنسان أن يبذل ماله بغير رضاه التام من خلال إقراض من كانت عادته ألا يرد القرض؛ فإن هذا البذل إذا تراكم ربما دخل الشيطان، فحرّك قلبك تجاه أخيك الذي يأخذ المال ولا يرده، وتأتي ساعة يحصل فيها انفجار لهذه العلاقة، فتسوء سُوءًا شديدًا.

اعلم أنه ليس الاحتمال الوحيد لأخذ أخيك مالَك دون ردٍّ أن يكون مستهترًا بك، أو مستغلًّا لطِيبتك، أو نحو ذلك من الاحتمالات، التي يُصوِّرها الشيطان على أنها احتمالٌ واحد لا يُمكن وجود غيره، بل قد يرى أن ما بينكما من العلاقة أقوى من أن تتأثر بالمال، أو يظن أنه قد أحسن إليك فيما مضى، وأن هذا وقته ليأخذ من مالك ما يَعتبره مكافأةً لنفسه على الإحسان السابق، أو يظن أنه سيقدر على ردها كلها دفعة واحدة، وربما يكون أيضًا ممن يُسيئ التصرّف، فإذا وجد مالًا يمكن أن يصل إليه بالقرض لم يملك نفسه أمام الكماليات، أو غير ذلك من الأسباب.

ولهذا فإن انتهاز الوقت المناسب للحوار الهادئ معه، وسؤاله يساعد على وضوح الصورة، ويُعين على إغلاق باب الشيطان ووسوسته، وإن خشيت المواجهة فابعث له عددًا من المقاطع الصوتية المُعَدّة بعناية وحُسن اختيار للألفاظ، حتى تُبيّن له ما في نفسك تجاه ما تُقرِضه أو تُعطيه، وتوضح له المنهجية التي تُحب أن يسير عليها التعامل المالي بينكما؛ فإن مدخل الشيطان في أمر المال عظيم وكبير.

وفي حال عجزك عن ذلك بسبب طبيعة العلاقة بينكما، أو النظرة المجتمعية السائدة، فلا بأس من استعمال بعض المعاريض التي لا تدخل في الكذب، مثل: أن تقول له ليس عندي ما أقرضك له، وتعني بذلك أنه ليس معك الآن، ولا بأس أيضًا في مماطلته وتأجيله، فإن الحق لك في عدم إقراضه لهذه الكماليات.

وقد ذكرت أنك متردد بين إعطاء المال لأخيك، أو شراء أغراض لزوجتك؟ وهذا الأمر يدعو لنصحك بالبعد عن إخبار زوجتك بتفاصيل ما يكون بينك وبين أخيك ماليًا، حتى لا تُوغِر صدرك عليه، فإن هذا مدخل من مداخل الشيطان القوية في التحريش بين الأخوين.

واعلم أنّ المجاملات الزائدة، حتى لو كانت بين الإخوة، تستوجب الضغينة ولو بعد حين، وكثير من التعاملات الأخوية التي لا يُصرِّح فيها الأخ لأخيه بحقيقة ما في نفسه، تنقلب بعد وقت إلى عداوات، لا سيما إذا اطّلعَت الزوجات على تفاصيل ذلك، فحرّكن هذه الضغينة.

فإحياء روح الصراحة أمرٌ مطلوب، وقد ورد في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه طرق باب رجل، وكان الرجل منشغلاً، فلما خرج قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لعلنا أعجلناك؟ فقال: نعم، ثم رحبَّ بالنبي، فلم يستحي من قوله: نعم، ولم يرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا الصحابة أنه أساء الأدب في ذلك"، وقد أخذ من هذا الحديث الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "أن الصراحة والوضوح، مع حسن الترحيب والتعامل، هي من مقتضى الحكمة التي لا يُلام الإنسان عليها".

ويحسن التنبيه هنا إلى أن الكماليات لشخص قد تكون ضروريات لشخص آخر؛ فبعض الأمور الشكلية التي يترتب عليها أثر في قَبول هذا الشخص في مكانٍ ما، قد تكون ضرورية له تبعًا لطبيعة عمله، وغير ضرورية لغيره، فلا بد من حُسن تقدير ذلك.

وختامًا: احمد الله تعالى أن وسَّع عليك فجعلك مقصدًا للناس، فلا تتأخر عن ذلك متى تيسر لك، وانظر مقتضى الحكمة فيما تبذله من إنفاق على أهلك، أو إقراض لمن حولك، بارك الله فيك وفي مالك وأهلك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً