الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الزواج قسمة ونصيب ومكتوب منذ الأزل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هل الزواج قسمة ونصيب بحت، ومكتوب ومقدّر من الله قبل الولادة؟ أم أنه اختيار شخصي؟
أي: هل نحن مسيّرون أم مخيّرون تقريبًا في مسألة الزواج؟ وإن كان اختيارًا، فكيف خلقنا الله سبحانه وتعالى من أضلاع أزواجنا؟ ألا يعني ذلك أن أزواجنا مكتوبون لنا قبل أن نُخلق؟

وإن كان نصيبنا مقسومًا في شخص معيّن، ولكن الظروف والمواصفات غير مناسبة حاليًا، وكان الله قد جعل هذا الشخص من نصيبنا، فهل يمكن أن يغيّر الله هذا الشخص في المستقبل ليكون مناسبًا لنا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

قرأت رسالتك، والإشكال الذي ورد عليك، وجوابك كالآتي:
‏أولاً: مما لا يخفى على المسلم والمسلمة وجوب الإيمان بالقدر، وأنه ركن من أركان الإيمان كما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيه: (فقال جبريل، فأخبرني عن الإيمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) رواه مسلم.

‏ثانيًا: لا بد من الإيمان بأن الله تعالى علم الأشياء قبل وقوعها، ثم كتب ذلك في اللوح المحفوظ، فإن الله تعالى كما ورد في الحديث: (أول ما خلق الله القلم، قال: اكتب قال: وما أكتب يا رب، قال: اكتب ما هو كائن وما يكون إلى يوم القيامة، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقد روى مسلم من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة)، وهذه مرتبة الكتابة، وهي من مراتب القدر، وهي بالترتيب كالآتي:
1- مرتبة العلم: ومعناها: الإيمان بأن الله عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً بعلم سابق.
2- مرتبة الكتابة: ومعناها: أن الله كتب ذلك في اللوح المحفوظ حسب ما سبق به علمه، واقتضته حكمته، وهذه المرتبة بعد مرتبة العلم.
3- مرتبة المشيئة: ومعناها: أنه لا يقع شيء إلا بمشيئة الله تعالى.
4- مرتبة الخلق: ومعناها: أن الله خلق الأشياء والأفعال بحسب مشيئته تعالى.

والإيمان بهذه المراتب هو إيمان بالقدر.

‏ثالثًا: وبعد هذا التقرير الشرعي في هذه المسألة العظيمة، أقول بأن الزواج من ضمن قدر الله في الأزل، ومع ذلك فإن الله تعالى جعل لكل شيء سببًا، وجعل للإنسان الاختيار، ومنها مسألة الزواج، فإن الإنسان مخير في هذه الأمور، وما يختاره الإنسان يكون موافقًا لما قدره الله تعالى، ولا يقع شيء إلا بمشيئة الله تعالى، وفي الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) متفق عليه.

‏رابعًا: والإجابة على السؤال الأخير في الرسالة، وهي إذا كان الزواج مقسومًا من نصيبنا، ولكن الظروف والمواصفات غير مناسبة حاليًا، وكان الله قد جعل هذا الشخص من نصيبنا، فهل يمكن في المستقبل أن يغير هذا الشخص لأجل نصيبنا؟
والجواب: إن كان موضوع الزواج هو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ، لكن لابد من حسن الاختيار، وهذا أمر جعله الله للإنسان في اختيار ما يناسبه، والذي قد اختاره الإنسان هو موافق لما كتبه الله في اللوح المحفوظ؛ فإنه لا يقع شيء إلا بمشيئة الله تعالى، والإنسان لا يعلم ما كتبه الله له حتى يقع ذلك، ولذلك يقول العلماء القدر علم سابق، والقضاء علم لاحق، وعلى الإنسان أن يعمل بأسباب الخير والنجاح، وأيضًا على الإنسان أن يدعو الله تعالى بإصلاح الزوج أو الزوجة إذا كان غير مناسب وتم الزواج، فعليها بالدعاء بإصلاح الزوج والعمل بالأسباب الشرعية والمادية في ذلك، وأيضًا على المرأة المسلمة قبل الزواج أن تحرص أن يكون زوج المستقبل فيه هاتان الصفتان وهما الدين والخلق.

ختامًا: أسأل الله تعالى أن يلطف بنا جميعًا فيما قدره من المقادير، وأن يكتب لنا ولكم الخير كله، وأن يسعدك في الدنيا والاخرة، آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات