السلام عليكم.
عافاكم اللّه، وبارك بكم.

أبي رجل موسر، ويملك محلات تجارية، وراتباً تقاعدياً، ولا ينفق علي سوى المسكن، والطعام، والشراب، حتى الطعام أحياناً تمر الأيام لا يوجد في الثلاجة شيء يؤكل، وتمرّ الأسابيع ونأكل النواشف، ويمنّ علينا بأنه يحضر لنا ماءً نشربه، ويقول الماء الذي تشربونه لا أحد يشربه، تشربون كل يومين قارورة!

منذ فترة قريبة بدأت العمل في مدرسة، لكنها بعيدة، وتحتاج ثلث ساعة بالسيارة، وهو يوصلني؛ لأنه لا يريد أن أذهب بالمواصلات، ولا بأي شكل من الأشكال، ويحسب الكيلومترات التي يقطعها ليأخذ من راتبي ثمن البنزين، ولا يعطيني حتى المصروف، ويقول لا تجب نفقة البنت العاملة على والدها، مع أني لم آخذ من راتبي شيئًا إلى الآن!

ما زلت لا أملك مالًا، ويعاملني معاملةً سيئةً، ويصرخ ويرفع صوته لأنه يوصلني، ويقول أعمل عندك خادمًا؟ وهدّدني بأنه لن يوصلني بعد الآن، ولن يسمح لي بالعمل.

الذي أريد معرفته، هل له أن يمنعني عن العمل؟ وهل من حقه أن يأخذ ثمن البنزين من راتبي؟ مع أنه أكثر من ثمن المواصلات العامة.

أنا بحاجة ماسة إلى المال لأشتري حاجاتي، ولا أحد يعطيني من إخوتي.

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حسناء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

وقفت على رسالتك مقدرًا معاناتك، ومقدراً لك احترامك لوالدك، وجوابي لك كالآتي:

أولاً: ما ذكرت من بخل الوالد رغم أنه ميسور الحال، وعنده محلات تجارية، ومرتب التقاعد، فإن هذه الصفة -أي البخل- مرض نفسي، يعود ضرره عليه، وعلى أسرته، قال تعالى: (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء) [سورة محمد]، وأقرب الناس إلى والدك هي أمك، فلعلها أن تؤثر فيه، وتنصحه بالحكمة واللين، مع عدم إهمال الجوانب الإيجابية التي يتمتع بها والدك.

ثانيًا: مسألة كونه يأخذ حق البنزين، فلعل هذا من تأثير صفة البخل عليه، ومع ذلك من جهة شرعية يجوز له؛ لأن ذلك في مقابل البنزين، ولا تنسي تعب المشوار بالنسبة لوالدك، والذي أراه أن تغضي الطرف بأن تعطيه مقابل ذلك، ولو كان أكثر من المستحق؛ لكونه والدك، وحتى يسمح لك بالعمل.

ثالثًا: وأما سؤالك عن مسألة النفقة: أي نفقة البنت التي لا مال لها، وليست بذات زوج، فواجبة على أبيها في هذه الحالة، وهذه النفقة تشمل ما تحتاج إليه من المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن؛ كل ذلك على قدر الكفاية بالمعروف، قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم" ولا بأس أن تطلب البنت من أبيها مالًا غير النفقة الواجبة، ولكن لا يلزمه، وإذا كان للبنت مال من راتب وغيره فلا يجب عليه النفقة، كما ذكر أبوك لك باعتبار الوظيفة، مع أنه كان ينبغي أن يصبر، ويستمر في النفقة عليك، حتى ينزل راتبك، هداه الله ولين قلبه.

‏رابعًا: أما مسألة منع الأب ابنته من العمل؛ فمن المتفق عليه أن للوالد ولاية على أولاده، وهذه الولاية للأب لا بد أن تكون بتحقيق الأصلح والأحسن لأولاده، وهذا هو المطلوب في كل ولاية مهما صغرت، والولاية أمانة يجب أداؤها، وبالتالي إذا كان والدك ينفق عليك، ويوفر كل ما تحتاجين إليه، فلا داعي للعمل، أما إذا كان الأب لا يوفر الاحتياجات الخاصة بك، والعمل ليس فيه اختلاط، ولا سيما التدريس، فهي مهنة شريفة، وهادفة، فلا ينبغي له أن يمنعك من العمل، ومنعه لك يعتبر إضرارًا، وفي حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله وسلم-: (لا ضرر ولا ضرار) أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني.

لكن عليك ألا تشقّي على والدك، فلا بد من الاستئذان في العمل؛ لأن خروجك للعمل دون رضاه قد يؤدي إلى مزيد من النزاعات والخلافات داخل الأسرة، وربما أدى إلى قطيعة الرحم بينك وبين والدك، وبإمكانك أن توسطي أو تطلبي من عقلاء العائلة وكبارها من يقنع والدك بالسماح لك بالعمل حتى تكفي نفسك.

وعليك بالصبر على تصرفات والدك مهما كانت، فهو والدك وعليك البر به مطلقًا، سواء أحسن إليك أم لا؛ لأن البر بالوالدين واجب بلا مقابل، فالبر بهما ليس مقابل إحسانهما إليك.

والذي أنصحك به أمران:
الأول: الصبر على والدك.
الثاني: الزواج، فقد يكون خير مخرج لك من هذه المشكلة، واجتهدي في الدعاء بالزواج.

وفي الأخير: أسأل الله تعالى أن يلين قلب والدك، وأن يسهل أمرك، وأن يرزقك الزوج الصالح.