الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تنصحوني بخطبة ابنة عمي رغم خشيتي من زواج الأقارب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سؤالي هو أنني عزمت على الزواج الآن بعد أن تخرجت من الجامعة، وقد تحدثت مع أهلي للبحث عن فتاة مناسبة قبل ذلك، وفي السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، قررت أن أصلي صلاة الاستخارة من أجل خطبة ابنة عمي، ولكن لم يأتِ القبول في ذلك الوقت، فانتهى موضوع خطبتها.

بعدها، سافرت إلى منطقة أخرى من أجل خطبة فتاة وجدها أهلي، وتمت النظرة الشرعية، ثم صليت صلاة الاستخارة وجاء القبول بالزواج من هذه الفتاة، لكنها رفضت الزواج بسبب بُعد المسافة بين المنطقتين، ولعل في ذلك خيراً، بل هو خير.

عندما أخبرت والدتي أن تبحث لي عن فتاة أخرى، كانت تذكرني بابنة عمي، فأخبرتها بما جرى سابقًا، والآن، كلما فكرت في خطبة فتاة غيرها، أجد الأمور مغلقة، وكلما خطر في بالي اسم فتاة، أذهب وأصلي صلاة الاستخارة، لأعرف إن كان عليّ أن أخبر أهلي ليذهبوا إليها، فلا يأتي القبول.

فهل هذا دليل على أن ابنة عمي هي التي ينبغي أن أخطبها؟ رغم أنني أخشى من زواج الأقارب، ومن الأمراض الوراثية، وربما من المشاكل التي قد تحدث، كما أنني أخاف من أن أغضب عمي؛ مما قد يؤدي إلى قطيعة رحم.

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك أخي الكريم في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول مستعينًا بالله تعالى:

صلاة الاستخارة من الأمور التي حث عليها نبينا عليه الصلاة والسلام، وخاصة في الأمور المهمة كالزواج، والاستخارة هي أن تطلب من الله تعالى أن يختار لك ما فيه الخير لك، في دينك ودنياك وعاجل أمرك وآجله؛ لأن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.

الزواج أمر مقدر للإنسان، فالله تعالى قد كتب من ستكون زوجتك قبل أن يخلقك، كما ورد في الحديث: (إنَّ اللَّهَ قدَّرَ مقاديرَ الخلائقِ قبلَ أن يخلقَ السَّماواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفَ سنةٍ وَكانَ عرشُهُ على الماءِ)، وفي الحديث الآخر: (أولُ ما خلق اللهُ القلمُ فقال له: اكتبْ، قال: يا ربِّ وما أكتبُ؟ قال: اكتب القدرَ ما هو كائنٌ من ذلك إلى قيامِ الساعةِ).

من كانت من نصيبك فسوف توفق للزواج بها، ومن ليست من نصيبك، فمهما بذلت من أسباب فلن توفق، وعليك أن ترضى بما قدر الله لك مع بذل الأسباب، فإن رضيت فلك من الله الرضا، ففي الحديث القدسي: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ).

كونك تصلي الاستخارة كلما هممت بخطبة فتاة أمر حسن، وكونه يأتيك الرفض، هذا يعني أن الله صرفك عن تلك الفتيات، وذلك خير لك دون شك، لأنك ارتضيت أن يختار الله لك، وربك رؤوف رحيم، لا يختار لعبده إلا ما فيه الخير.

إن كانت ابنة عمك ذات خلق ودين، وفيها من الصفات الأخرى ما يدعوك للزواج بها، فلا مانع أن تتقدم مرة أخرى، ولو أنك رفضت في السابق، فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ولن تخسر شيئًا إن أعدت الطلب، ولعله يأتِيك القبول، وكان الرفض في المرة الأولى بسبب أنه لم يحن موعد زواجك، فالزواج يأتي في الوقت الذي قدره الله، لا في الوقت الذي تريده أنت.

خوفك من الزواج من الأقارب لاحتمال انتقال بعض الأمراض الوراثية في محله، ولكن هذا الخوف يزول بالتحاليل الطبية، التي تبين هل ثمة أمراض وراثية يمكن أن تنتقل للأبناء أم لا؟ وبهذا يطمئن قلبك.

الزواج من الأقارب جائز شرعًا، أحله الله تعالى، وربك حكيم في أحكامه، والخوف من حصول المشاكل استعجال للأمر وتخوف في غير محله، فكم من شخص تزوج من أقاربه ولم يحصل قطع للرحم، وإن حصلت مشاكل فهنالك حلول شرعية، ولا بد من حصول تلك المشاكل، فما من بيت إلا ووجد فيه شيء من المشاكل الأسرية، حتى بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تسلم من المشاكل، كما لا يخفى عليك.

يمكنك التعرف على طباع ابنة عمك من خلال طباع أمها وأخواتها، وهل ثمة مشاكل أسرية بين أمها وأبيها أو بين أخواتها وأزواجهن؛ لأنه في الغالب تتطبع الفتاة بطباع أمها، فإن كانت حياة أسرتها مستقرة، فكن مطمئنًا، ثم إن كان عمك من العقلاء فإنه سيكون عاملاً مساعدًا في حل أي إشكال قد يحدث بينك وبين زوجتك.

عادة ما يحصل بين الزوجين نوع من النزاع، بسبب اختلاف الطباع والبيئة التي عاشها كل منهما فيها، والتعرف على ما يحب كل طرف وما يكره قبل الزواج، ووضع خارطة طريق للحياة، يخفف من حدوث المشاكل.

إصلاح الطباع يحتاج لوقت وهدوء، ويحتاج لحكمة ورفق ولين، ومع هذا فستبقى بعض الصفات في كل طرف لا يحبها كل منكما، فالصبر في هذه الحالة هو الحل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (استَوْصُوا بالنِّساء خيرًا، فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ من ضِلَعٍ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعلاه، فإن ذهبْتَ تُقِيمُه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزل أعوجَ، فاستَوْصُوا بالنِّساءِ خيرًا)، ويقول: (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا).

لا تدع الاستخارات أو التجربة السابقة، تمنعك من الزواج والتقدم لابنة عمك أو لغيرها، بل استمر مع أداء صلاة ودعاء الاستخارة، ونوصيك بالاستقامة على دين الله، والمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، مع الحفاظ على النوافل، وتلاوة القرآن، وصيام ما تيسر من الأيام الفاضلة؛ فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة المطمئنة، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحيّن أوقات الإجابة، وخاصة أثناء السجود وفي الثلث الأخير من الليل، وسل ربك من خيري الدنيا والآخرة.

لا مانع أن تعيد طلب ابنة عمك، مع أداء صلاة الاستخارة والدعاء، فإن حصل القبول فاعملا الفحوصات اللازمة؛ كي تتحققا من خلوكما من الأمراض الوراثية، واستعن بالله، واطلب التوفيق في كل خطوة، وابتعد عن أي ضغط قد يوقعك فيما تخاف منه.

نسأل الله تعالى لك التوفيق، وأن يرزقك الزوجة الطيبة الصالحة، والحياة المطمئنة المستقرة، ونسعد بتواصلك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً