الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون  فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون  قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون  قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون  وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: قل من يرزقكم من السماء والأرض يريد: من ينزل القطر من السماء ويخرج النبات من الأرض؟ أمن يملك السمع والأبصار أي: من يملك خلق السمع والأبصار، ومن يخرج الحي من الميت أي: المؤمن من الكافر، والنبات من الأرض، والإنسان من النطفة، والطير من البيضة، والسنبلة من الحب، والنخلة من النواة، [ ص: 547 ] وعلى الضد من ذلك، ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر أمر الدنيا والآخرة، فسيقولون الله أي: الله الذي يفعل هذه الأشياء، وذلك أنهم علموا أن الرزاق والمدبر هو الله، فإذا أقروا بعد الاحتجاج فقل أفلا تتقون قال ابن عباس: أفلا تخافون الله فلا تشركوا به شيئا.

                                                                                                                                                                                                                                      فذلكم الله ربكم الحق قال ابن عباس: يريد هذا الذي كله فعله هو الحق، ليس هؤلاء الذين جعلتم معه شركاء لا يملكون شيئا من هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فماذا بعد الحق إلا الضلال قال مقاتل: يعني: بعد عبادة الله إلا الضلال يعني عبادة الشيطان.

                                                                                                                                                                                                                                      فأنى تصرفون قال ابن عباس: كيف تصرف عقولكم إلى عبادة ما لا يرزق، ولا يحيي ولا يميت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كذلك أي: مثل ذلك الصرف، حقت كلمت ربك على الذين فسقوا يعني: خرجوا في الكفر إلى أفحشه، أنهم لا يؤمنون وهو قوله: وأما الذين فسقوا الآية، وغيرها من آي الوعيد للكفار، قل هل من شركائكم الذين تعبدونهم مع الله، من يبدأ الخلق ثم يعيده يخلق أولا ثم يعيده ثانيا، قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون فكيف تصرفون عن الحق؟ قل هل من شركائكم يعني: آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، من يهدي إلى الحق يرشد إلى دين الإسلام؟ قل الله يهدي للحق أي: إلى الحق، أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي أي: إن الله الذي يهدي ويرشد إلى الحق أهل الحق أحق أن يتبع أمره، أم الصنم الذي لا يهدي أحدا، ولا يهتدي إلى الخير، وقرئ يهدي، ويهدي، ويهدي، ويهدي، وكلها يفتعل وإن اختلفت ألفاظها، وأصلها يهتدي، فأدغمت التاء في الدال، فمن فتح الهاء ألقى عليه حركة التاء المدغم، ومن كسر الهاء فلأنها كانت ساكنة واجتمعت مع الحرف المدغم الساكن، فحرك الهاء بالكسر لالتقاء ساكنين، ومن سكن الهاء جمع بين الساكنين، ومن كسر الياء والهاء أتبع الياء ما بعدها من الكسر، قال الزجاج: وهو رديء لثقل الكسر في الياء.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما معنى: لا يهتدي إلا أن يهدى، فالأصنام وإن هديت لا تهتدي لأنهم موات من حجارة، ولكن الكلام يدل على أنها إن هديت اهتدت لأنهم لما اتخذوها آلهة عبر عنها كما يعبر عمن يعلم ويعقل، ووصفت صفة من يعقل، وإن لم تكن في الحقيقة كذلك، قوله: فما لكم قال الزجاج: ما لكم كلام تام، كأنهم قيل لهم: أي: شيء لكم في عبادة الأصنام.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم قيل لهم: كيف تحكمون قال مقاتل: كيف تقضون حين زعمتم أن مع الله شريكا؟ وما يتبع أكثرهم إلا ظنا ما يستيقنون أنها آلهة، بل يظنون شيئا، فيتبعون ظنا لأنهم لم يأتهم بذلك كتاب ولا رسول، إن الظن لا يغني من الحق شيئا لا يدفع من عذاب الله شيئا، أي: ظنهم أن الأصنام آلهة، وأنها تشفع لهم لا يغني عنهم شيئا، قال عطاء: يريد: ليس الظن كاليقين، يعني: يقوم مقام العلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية