وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم [ ص: 548 ] صادقين بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين
قوله تعالى: وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله هذا جواب لقولهم: ائت بقرآن غير هذا وأن مع يفترى بمنزلة المصدر يعني: وما كان هذا القرآن افتراء من دون الله، ولكن تصديق الذي بين يديه ولكن كان تصديق ما قبله من الكتب، وأخبار الأمم والأنبياء الماضين، وهذا احتجاج عليهم بأن القرآن من عند الله بتصديقه الذي بين يديه، وقوله: وتفصيل الكتاب وتبيين ما في الكتاب من الحلال والحرام والفرائض والأحكام، ثم احتج عليهم بأن يأتوا بمثله إن كان مفترى، فقال: أم يقولون بل: أيقولون يعني المشركين: افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ادعوا إلى معاونتكم من المعارضة كل من تقدرون عليه، إن كنتم صادقين في أنه افتراء، وهذا كقوله في سورة البقرة: وإن كنتم في ريب .
قوله تعالى: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه أي: بما في القرآن من الجنة والنار والبعث والقيامة والثواب والعقاب، ولما يأتهم تأويله لم يأتهم بعد حقيقة ما وعدوا في الكتاب مما يؤول إليه أمرهم من العقوبة، كذلك كذب الذين من قبلهم أي: بالبعث والقيامة، فانظر كيف كان عاقبة الظالمين يعني: كان عاقبتهم العذاب والهلاك بتكذيبهم.
قوله: ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وهذا إخبار عما سبق في علم الله تعالى، قال نزلت في أهل مكة. الكلبي:
وربك أعلم بالمفسدين قال يريد المكذبين وهذا تهديد لهم. عطاء:
وإن كذبوك فقل لي عملي الآية: قال مقاتل، هذه الآية منسوخة بآية الجهاد. والكلبي:
قوله: ومنهم من يستمعون إليك قال نزلت في المستهزئين كانوا يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم للاستهزاء والتكذيب، فلم ينتفعوا باستماعهم. ابن عباس:
قال الله تعالى: أفأنت تسمع الصم قال أي: ظاهرهم ظاهر من يستمع، وهم لشدة عداوتهم بمنزلة الصم. الزجاج:
ولو كانوا لا يعقلون يريد: أنهم أشد من الصم لأن الصم لهم عقول وقلوب، وهؤلاء قد أصم الله قلوبهم.
أخبر الله تعالى أن هؤلاء بمنزلة الصم الجهال، إذ لم ينتفعوا بما سمعوا.
قوله: ومنهم من ينظر إليك قال يريد: متعجبين منك، ابن عباس: أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون يريد: أن الله تعالى قد أعمى قلوبهم، فلا يبصرون شيئا من الهدى، كما قال: فإنها لا تعمى الأبصار الآية، قال ومنهم من يقبل عليك بالنظر وهو [ ص: 549 ] كالأعمى من بغضه لك، وكراهية ما يراه من آياتك. الزجاج:
قوله: إن الله لا يظلم الناس شيئا لما ذكر الله تعالى في الآيتين السابقتين فريقين ووصفهما بالشقوة، ينظرون، ولا يسمعون ولا يعقلون ولا يؤمنون، وذلك للقضاء السابق عليهم، أخبر في هذه الآية أن تقدير الشقوة عليهم ما كان ظلما منه لأنه يتصرف في ملكه كيف يشاء وهم إذا كسبوا المعاصي فقد ظلموا أنفسهم، وهو قوله: ولكن الناس أنفسهم يظلمون وذلك أن الفعل منسوب إليهم، وإن كان القضاء من الله سبحانه، ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار قال كأن لم يلبثوا في قبورهم إلا قدر ساعة من النهار. ابن عباس:
وقال قصر عندهم مقدار الوقت الذي بين موتهم وبعثهم فصار كالساعة من النهار، لهول ما استقبلوا من أمر البعث والقيامة. الضحاك:
يتعارفون بينهم بتوبيخ بعضهم بعضا، يقول كل فريق للآخر: أنت أضللتني يوم كذا، وأنت كسبتني دخل النار بما علمتني وزينته لي.
قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله خسر ثواب الجنة الذين كذبوا بالبعث.