الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ  فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط  وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب  قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد  فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أواه منيب  يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود  ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد  قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد  قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد  قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب  فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود  مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد

[ ص: 125 ] ولقد جاءت رسلنا ، وهو جبريل ومعه ملكان وهما ملك الموت وميكائيل، إبراهيم بالبشرى في الدنيا الولد بإسحاق ويعقوب، قالوا سلاما ، قالوا: تحية لإبراهيم، فسلموا على إبراهيم، فرد إبراهيم عليهم، فـ قال سلام ، يقول: رد إبراهيم خيرا، وهو يرى أنهم من البشر، فما لبث أن جاء إبراهيم بعجل حنيذ ، يعني الحنيذ النضيج؛ لأنه كان البقر أكثر أموالهم، والحنيذ الشواء الذي أنضج بحر النار من غير أن تمسه النار بالحجارة تحمى تجعل في سرب فتشوى.

فلما رأى أيديهم لا تصل إليه ، أي إلى العجل، نكرهم ، يعني أنكرهم وخاف شرهم، وأوجس منهم خيفة ، يقول: فوقع عليه الخوف منهم فرعد، قالوا ، أي قالت الملائكة: لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط بهلاكهم، ولوط بن حازان، وامرأة سارة بنت حازان أخت لوط، وإبراهيم عم لوط وختنه على أخته.

وامرأته ، وهي سارة، قائمة وإبراهيم جالس، فضحكت من خوف إبراهيم ورعدته من ثلاثة نفر، وإبراهيم في حشمه وخدمه، فقال جبريل، عليه السلام، لسارة: إنك ستلدين غلاما، فذلك قوله: فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب . قالت سارة: يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا ، وهو ابن سبعين [ ص: 126 ] سنة، إن هذا لشيء عجيب ، يعني لأمر عجيب أن يكون الولد من الشيخين الكبيرين.

قالوا ، قال جبريل لهما: أتعجبين من أمر الله أن يخلق ولدا من الشيخين رحمت الله وبركاته ، يعني نعمة الله وبركاته، عليكم أهل البيت ، يعني بالبركة ما جعل الله منهم من الذرية، إنه حميد في خلقه، مجيد ، يعني كريم.

فلما ذهب عن إبراهيم الروع ، يعني الخوف، وجاءته البشرى في الولد يجادلنا ، يعني يخاصمنا إبراهيم في قوم لوط ، كقوله في الرعد: يجادلون في الله ، ومثل قوله: قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا . وخصومة إبراهيم، عليه السلام، أنه قال: يا رب، أتهلكهم إن كان في قوم لوط خمسون رجلا مؤمنين؟ قال جبريل عليه السلام: لا، فما زال إبراهيم، عليه السلام، ينقص خمسة خمسة، حتى انتهى إلى خمسة أبيات، قال تعالى: إن إبراهيم لحليم ، يعني لعليم، أواه ، يعني موقن، منيب مخلص.

وقال جبريل لإبراهيم: يا إبراهيم أعرض عن هذا الجدال حين قال: أتهلكهم إن كان فيهم كذا وكذا، ثم قال جبريل، عليه السلام: إنه قد جاء أمر ربك ، يعني قول ربك في نزول العذاب بهم، وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ، يعني غير مدفوع عنهم، يعني الخسف والحصب بالحجارة.

قوله: ولما جاءت رسلنا جبريل، و ميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، لوطا سيء بهم ، يعني كرههم لصنيع قومه بالرجال مخافة أن يفضحوهم، وضاق بهم ذرعا وقال جبريل هذا يوم عصيب ، يعني فظيع فاش شره عليه.

وجاءه قومه يهرعون إليه ، يعني يسرعون إليه مشاة إلى لوط، ومن قبل أن نبعث لوطا، كانوا يعملون السيئات ، يعني نكاح الرجال، و قال لوط: يا قوم هؤلاء بناتي ريثا وزعوثا، فتزوجوهما هن أطهر لكم ، يعني أحل [ ص: 127 ] لكم من إتيان الرجال، فاتقوا الله في معصيته، ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ، يقول: ما منكم رجل مرشد.

قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق ، يعنون من حاجة، وإنك لتعلم ما نريد أنهم يريدون الأضياف.

قال لو أن لي بكم قوة ، يعني بطشا، أو آوي إلى ركن شديد ، يعني منيع، يعني رهط، يعني عشيرة لمنعتكم مما تريدون.

قالوا يا لوط ، قال جبريل للوط: إنا رسل ربك لن يصلوا إليك بسوء؛ لأنهم قالوا للوط: إنا نرى معك رجالا سحروا أبصارنا، فستعلم غدا ما تلقى أنت في أهلك، فقال جبريل، عليه السلام: إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك ، يعني امرأته وابنتيه، بقطع من الليل ، يعني ببعض الليل، ولا يلتفت منكم أحد البتة إلا امرأتك فإنها تلتفت، يقول: لا ينظر منكم أحد وراءه، ثم استثنى: إلا امرأتك تلتفت، إنه مصيبها من العذاب ما أصابهم ، يعني قوم لوط، فالتفتت فأصابها حجر فقتلها، ثم قال: إن موعدهم الصبح ، ثم يهلكون، قال لوط لجبريل: عجل على بهلاكهم الآن، فرد عليه جبريل: أليس الصبح بقريب ؟ يقول الله: فلما جاء أمرنا ، يعني قولنا في نزول العذاب، جعلنا عاليها سافلها ، يعني الخسف، وأمطرنا عليها ، يعني على أهلها من كان خارجا من المدائن الأربع، حجارة من سجيل ، يعني حجارة خالطها الطين، منضود ، يعني ملزق الحجر بالطين.

مسومة ، يعني معلمة، عند ربك ، يعني جاءت من عند الله عز وجل، ثم قال: وما هي من الظالمين ببعيد لأنها قريب من الظالمين، يعني من مشركي مكة، فإنها تكون قريبا، يخوفهم منها، وسيكون ذلك في آخر الزمان، يعني ما هي ببعيد؛ لأنها قريب منهم، والبعيد ما ليس بكائن، فذلك قوله: إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ، يعني كائنا.

[ ص: 128 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية