الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: الحج أشهر معلومات  معناه: وقت الحج هذه الأشهر فهي وإن كانت "في" تصلح فيها فلا يقال إلا بالرفع، كذلك كلام العرب، يقولون: البرد شهران، والحر شهران، لا ينصبون؛ لأنه مقدار الحج. ومثله قوله: ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ولو كانت الأشهر أو الشهر معروفة على هذا المعنى لصلح فيه النصب. ووجه الكلام الرفع؛ لأن الاسم إذا كان في معنى صفة أو محل قوي إذا أسند إلى شيء، ألا ترى أن العرب يقولون: هو رجل دونك وهو رجل دون، فيرفعون إذا أفردوا، وينصبون إذا أضافوا. ومن كلامهم: المسلمون جانب، والكفار جانب، فإذا قالوا: المسلمون جانب صاحبهم نصبوا. وذلك أن الصاحب يدل على محل كما تقول: نحو صاحبهم، وقرب صاحبهم. فإذا سقط الصاحب لم تجده محلا تقيده قرب شيء أو بعده.

                                                                                                                                                                                                                                      والأشهر المعلومات: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. والأشهر الحرم: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة. وإنما جاز أن يقال له أشهر وإنما هما شهران وعشر من ثالث؛ لأن العرب إذا كان الوقت لشيء يكون فيه الحج وشبهه جعلوه في التسمية للثلاثة والاثنين، كما قال الله تبارك وتعالى: واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين وإنما يتعجل في يوم ونصف، وكذلك هو في اليوم الثالث من أيام التشريق وليس منها شيء تام، وكذلك تقول العرب: له اليوم يومان منذ لم أره، وإنما هو يوم وبعض آخر، وهذا ليس بجائز في غير المواقيت؛ لأن العرب قد تفعل الفعل في أقل من الساعة، ثم يوقعونه على اليوم وعلى [ ص: 120 ] العام والليالي والأيام، فيقال: زرته العام، وأتيتك اليوم، وقتل فلان ليالي الحجاج أمير؛ لأنه لا يراد أول الوقت وآخره، فلم يذهب به على معنى العدد كله، وإنما يراد به (إذ ذاك الحين) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قوله: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال يقال: إن الرفث الجماع، والفسوق السباب، والجدال المماراة في الحج فالقراء على نصب ذلك كله بالتبرئة إلا مجاهدا فإنه رفع الرفث والفسوق ونصب الجدال. وكل ذلك جائز. فمن نصب أتبع آخر الكلام أوله، ومن رفع بعضا ونصب بعضا فلأن التبرئة فيها وجهان: الرفع بالنون، والنصب بحذف النون. ولو نصب الفسوق والجدال بالنون لجاز ذلك في غير القرآن؛ لأن العرب إذا بدأت بالتبرئة فنصبوها لم تنصب بنون، فإذا عطفوا عليها بـ "لا" كان فيها وجهان، إن شئت جعلت "لا" معلقة يجوز حذفها فنصبت على هذه النية بالنون؛ لأن "لا" في معنى صلة، وإن نويت بها الابتداء كانت كصاحبتها، ولم تكن معلقة فتنصب بلا نون قال في ذلك الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      رأت إبلي برمل جدود أ [ن] لا مقيل لها ولا شربا نقوعا



                                                                                                                                                                                                                                      فنون في الشرب، ونوى بـ "لا" الحذف كما قال الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      فلا أب وابنا مثل مروان وابنه     إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 121 ] وهو في مذهبه بمنزلة المدعو تقول: يا عمرو والصلت أقبلا. فتجعل الصلت تابعا لعمرو وفيه الألف واللام؛ لأنك نويت به أن يتبعه بلا نية "يا" في الألف واللام. فإن نويتها قلت: يا زيد ويا أيها الصلت أقبلا. فإن حذفت "يا أيها" وأنت تريدها نصبت كقول الله عز وجل يا جبال أوبي معه والطير نصب الطير على جهتين: على نية النداء المجدد له إذ لم يستقم دعاؤه بما دعيت به الجبال، وإن شئت أوقعت عليه فعلا: وسخرنا له "الطير" فتكون النية على سخرنا. فهو في ذلك متبع كقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      ورأيت زوجك في الوغى     متقلدا سيفا ورمحا



                                                                                                                                                                                                                                      وإن شئت رفعت بعض التبرئة ونصبت بعضا، وليس من قراءة القراء ولكنه يأتي في الأشعار قال أمية :


                                                                                                                                                                                                                                      فلا لغو ولا تأثيم فيها     وما فاهوا به لهم مقيم



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      ذاكم -وجدكم- الصغار بعينه     لا أم لي إن كان ذاك ولا أب



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 122 ] وقبله:


                                                                                                                                                                                                                                      وإذا تكون شديدة أدعى لها     وإذا يحاس الحيس يدعى جندب



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية