وأخبرنا إسماعيل بن إبراهيم ، أخبرنا المغيرة ، حدثنا المفضل ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن عمران العابدي ، [ ص: 209 ] حدثنا يوسف بن الفيض ، عن ، عن الأوزاعي ، عن عطاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن عباس " إن لله عز وجل في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة تنزل على هذا البيت، ستون للطائفين وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين وقوله تعالى: " وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا كل موضع من الأرض عامر أو غامر، مسكون أو خال: بلد، والقطعة منه: بلدة، والجمع: بلاد وبلدان.
قال : يريد: حراما محرما لا يصاد طيره، ولا يقطع شجره، ولا يختلى خلاه، والحكم في هذا أن صيد ابن عباس مكة لا ينفر، ولا يتعرض له بنوع أذى، ومن قتل صيد مكة فعليه جزاؤه، ولا يجوز قطع أشجار الحرم على جهة الإضرار بها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: مكة ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد كان بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار" . "إن الله تعالى حبس الفيل عن
[ ص: 210 ] والعرب تقول: آمن من حمام مكة .
يضربون المثل بها في الأمن لأنها لا تهاج، قوله: وارزق أهله من الثمرات يعني أنواع حمل الأشجار من أي نوع كان، فاستجاب الله دعاء إبراهيم في المسألتين جميعا، فقال في موضع آخر: أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء ، وذكر المفسرون أن الله تعالى بعث جبريل إلى الشام حتى اقتلع الطائف من موضع الأردن ، ثم طاف بها حول الكعبة ، فسميت الطائف ، ثم أنزلها تهامة ، ومنها يجبى إلى مكة الثمرات.
وقوله: من آمن منهم بالله واليوم الآخر : من: بدل من أهله، وهو بدل البعض من الكل، كقوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ، وهذا كما تقول: أخذت المال ثلثيه، ورأيت القوم ناسا منهم، وإنما خص إبراهيم عليه السلام بطلب الرزق بطلب للمؤمنين؛ لأن الله تعالى أدبه بقوله: لا ينال عهدي الظالمين ، فتوهم أنه كما لا يعطيهم النبوة إلا إذا كانوا مؤمنين، كذلك لا يرزق أهل مكة إلا إذا كانوا مؤمنين، قال الله تعالى: ومن كفر فأمتعه قليلا فسأرزقه إلى منتهى أجله، وقراءة العامة بالتشديد، من التفعيل، وعليه التنزيل كقوله: يمتعكم متاعا حسنا ، كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ، ومتعناهم إلى حين ، وقرأ ابن عامر بالتخفيف من الإمتاع، وأفعل قد يكون بمعنى فعل في كثير من المواضع، نحو: فرحته وأفرحته، ونزلته وأنزلته، ومعنى قليلا: أي زمانا قليلا، يعني مدة عمره، وإنما وصف بالقلة من حيث كان إلى نفاد ونقص وتناه، وإن طال.
وقوله تعالى: (ثم أضطره) أي: ألجئه في الآخرة، إلى عذاب النار وبئس المصير بئس المرجع عذاب النار.
قوله تعالى: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت : القواعد: أصول الأساس، الواحدة: قاعدة.
قال : وكل قاعدة فهي أصل للتي فوقها، ومنه يقال لخشبات أسافل الهودج: القواعد، لأنها كالأساس له. الزجاج
[ ص: 211 ] قال يعني أصل البيت، قال: وجاء ابن عباس: إبراهيم إلى ابنه إسماعيل فقال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر.
فقال: فأطع ما أمرك ربك.
قال: فتعينني؟ قال: وأعينك عليه.
قال: إن الله أمرني أن أبني له بيتا ها هنا.
فعند ذلك إبراهيم القواعد من البيت. رفع
وإسماعيل ربنا تقبل منا أي: ويقولان: ربنا تقبل منا كقوله: والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم المعنى: يقولون: أخرجوا أنفسكم، ومثله: يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ، وقوله: إنك أنت السميع العليم يريد: السميع لدعائنا، العليم بما في قلوبنا.
وقوله: ربنا واجعلنا مسلمين لك أي: مطيعين مستسلمين منقادين لحكمك، والمسلم: المستسلم لأمر الله.
وقوله: ومن ذريتنا أمة مسلمة لك كل قوم نسبوا إلى نبي فأضيفوا إليه فهم أمته، وكل جيل من الناس أمة على حدة.
قال والأمة أيضا: تباع الأنبياء. ابن الأنباري:
قال يريد أمة ابن عباس: محمد صلى الله عليه وسلم: المهاجرين، والأنصار، والتابعين لهم بإحسان.
وإنما خص بالدعوة بعض الذرية لأن الله تعالى أعلمهما أن في ذريتهما من لا ينال العهد في قوله: لا ينال عهدي الظالمين .
وقوله: وأرنا مناسكنا قال الأجود كسر الراء لأن الأصل: أرئنا، فالكسرة في الراء هي كسرة همزة ألقيت، فطرحت حركتها على الراء، فالكسرة دليل الهمزة، وحذفها قبيح، وهو جائز على بعد ؛ لأن [ ص: 212 ] الكسرة والفتحة تحذفان استثقالا لقولهم في فخد فخذ، وفي عضد عضد. الزجاج:
والمعنى: عرفنا متعبداتنا والمواضع التي يتعلق بها النسك لنفعله ونقضي نسكنا فيها، نحو المواقيت التي يحرم منها، والموضع الذي نقف فيه بعرفة، وموضع الطواف، وموضع رمي الجمار.
وكل متعبد فهو منسك ومنسك، ومن هذا قيل للعابد: ناسك.
قوله تعالى: ربنا وابعث فيهم قال يريد: ولدي، والكناية تعود إلى الذرية، أو إلى الأمة في قوله: ابن عباس: أمة مسلمة لك ، وكلاهما ولد إبراهيم، وهم العرب.
وقوله: رسولا منهم قال يريد: ابن عباس: محمدا صلى الله عليه وسلم، فاستجاب الله له دعاءه، وبعث فيهم رسولا من أنفسهم، محمدا سيد الأنبياء، يتلو عليهم آياتك وقوله: ويعلمهم الكتاب والحكمة قال: يريد: القرآن الذي أنزل عليه، وما فيه من الفرائض والأحكام والسنن وشرائع النبيين، وقال الحكمة: فهم القرآن. مجاهد:
وقال ابن دريد: كل كلمة وعظتك، أو زجرتك، أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن قبيح فهي حكم، ومنه قوله عليه السلام: "إن من الشعر حكمة" .
وقوله: ويزكيهم قال ويرشدهم إلى أفضل عبادتك. ابن عباس:
وقال يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه. ابن جريج:
وقال ابن كيسان: يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا للأنبياء بالبلاغ.
[ ص: 213 ] قوله: إنك أنت العزيز الحكيم قال العزيز في صفات الله: الممتنع، فلا يغلبه شيء. الزجاج:
وكذا قول المفضل، قال: العزيز: الممتنع الذي لا تناله الأيدي.
وعزة الله تعالى: امتناعه على من أراده وعلوه من أن تناله يد.
وقال العزيز: الذي لا يوجد مثله. ابن عباس:
قال يقال عز يعز، بالكسر، إذا قل حتى لا يكاد يوجد غيره عزة فهو عزيز. الفراء:
وقال الكسائي، يقال: العزيز: القوي الغالب. وابن الأنباري:
تقول العرب: عز فلان فلانا يعزه عزا، إذا غلبه.
ومنه قوله تعالى: وعزني في الخطاب ، ويقال: من عزيز.
فمعنى العزيز: الغالب القوي الذي لا يعجزه شيء.
وذكرنا معنى الحكيم فيما تقدم.